بسم الله الرحمن الرحيم (أبواب الطهارة من النجس) اعلم أن الطهارة طهارتان طهارة غير معقولة المعنى وهي الطهارة من الحدث المانع من الصلاة وطهارة من النجس وهي معقولة المعنى فإن معناها النظافة وهل هي شرط في صحة الصلاة كطهارة المحدث من الحدث أم هي غير شرط فمن قائل إن الطهارة من النجس فرض مطلق وليست شرطا في صحة الصلاة ومن قائل إنها واجبة كالطهارة من الحدث التي هي شرط في صحة الصلاة ومن قائل إنها سنة مؤكدة ومن قائل إن إزالتها فرض مع الذكر ساقط مع لنسيان (وصل اعتبار ذلك في الباطن) اعلم أن الطهارة في طريقنا طهارتان طهارة غير معقولة المعنى وهي الطهارة من الحدث والحدث وصف نفسي للعبد فكيف يمكن أن يتطهر الشئ من حقيقته فإنه لو تطهر من حقيقته انتفت عينه وإذا انتفت عينه فمن يكون مكلفا بالعبادة وما ثم إلا الله فلهذا قلنا إن الطهارة من الحدث غير معقولة المعنى فصورة الطهارة من الحدث عندنا أن يكون الحق سمعك وبصرك وكلك في جميع عباداتك فأثبتك ونفاك فتكون أنت من حيث ذاتك ويكون هو من حيث تصرفاتك وإدراكاتك فأنت مكلف من حيث وجود عينك محل للخطاب وهو العامل بك من حيث إنه لا فعل لك إذ الحدث لا أثر له في عين الفعل ولكن له حكم في الفعل إذ كان ما كلفه الحق من حركة وسكون لا يعمله الحق إلا بوجود المتحرك والساكن إذ ليس إذا لم يكن العبد موجودا لا لحق والحق تعالى عن الحركة والسكون أو يكون محلا لتأثيره في نفسه فلا بد من حدوث العبد حتى يكون محلا لأثر الحق فمن كونه حدثا وجبت الطهارة على العبد منه فإن الصلاة التي هي عين الفعل الظاهر فيه لا يصح أن تكون منه لأنه لا أثر له بل هو سبب من حيث عينيته لظهور الأثر الإلهي فيه فبالطهارة من نظر الفعل لحدثه صحت الأفعال أنها لغيره مع وجود العين لصحة الفعل الذي لا تقبله ذات الحق وليست هكذا الطهارة من النجس فإن النجس هو سفساف الأخلاق وهي معقولة المعنى فإنها النظافة فالطهارة من النجاسات هي الطهارة بمكارم الأخلاق وإزالة سفسافها من النفوس فهي طهارة النفوس وسواء قصدت بذلك العبادة أو لم تقصد فإن قصدت العبادة ففضل على فضل ونور على نور وإن لم تقصد ففضل لا غير فإن مكارم الأخلاق مطلوبة لذاتها وأعلى منزلتها استعمالها عبادة بالطهارة من النجاسات وإزالة النجاسات من النفوس التي قلنا هي الأخلاق أفرض عندنا ما هي شرط في صحة العبادة فإن الله قد جعلها عبادة مستقلة مطلوبة لذاتها فهي كسائر الواجبات فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان فمتى ما تذكرها وجبت كالصلاة المفروضة قال تعالى أقم الصلاة لذكري ثم نذكر الكلام في الأحكام المتعلقة بأعيانها فنقول (باب في تعداد أنواع النجاسات) اتفق العلماء رضي الله عنهم من أعيانها على أربع على ميتة الحيوان ذي الدم الذي ليس بمائي وعلى لحم الخنزير بأي سبب اتفق أن تذهب حياته وعلى الدم نفسه من الحيوان الذي ليس بمائي انفصل من الحي أو من الميت إذا كان
(٣٧٨)