فلم يبق في الوجود إلا الحضرة الإلهية خاصة غير أنه في قوله إياك نعبد في حق نفسه للابداع الأول حيث لا يتصور غيره وإياك نستعين في حق غيره للخلق المشتق منه وهو محل سر الخلافة ففي إياك نستعين سجدت الملائكة وأبى من استكبر (وصل) في قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين فلما قال له إياك نعبد وإياك نستعين قال له وما عبادتي قال ثبوت التوحيد في الجمع والتفرقة فلما استقر عند النفس أن النجاة في التوحيد الذي هو الصراط المستقيم وهو شهود الذات بفنائها أو بقائها إن غفلت قالت اهدنا الصراط المستقيم فتعرض لها بقولها المستقيم صراطان معوج وهو صراط الدعوى ومستقيم وهو التوحيد فلم يكن لها ميز بين الصراطين إلا بحسب السالكين عليهما فرأت ربها سالكا للمستقيم فعرفته به ونظرت نفسها فوجدت بينها وبين ربها الذي هو الروح مقاربة في اللطافة ونظرت إلى المعوج عند عالم التركيب فذلك قولها صراط الذين أنعمت عليهم وهذا عالمها المتصل بها المركب مغضوب عليه والمنفصل عنها ضالون عنها بنظرهم إلى المتصل المغضوب عليه فوقفت على رأس الصراطين ورأت غاية المعوج الهلاك وغاية المستقيم النجاة وعلمت إن عالمها يتبعها حيث سلكت فلما أرادت السلوك على المستقيم وأن تعتكف في حضرة ربها وأن ذلك لها ومن نفسها بقولها إياك نعبد عجزت وقصر بها فطلبت الاستعانة بقولها وإياك نستعين فنبهها ربها على اهدنا فتقيظت فقالت اهدنا فوصفت ما رأت بقولها الصراط المستقيم الذي هو معرفة ذاتك قال صاحب المواقف لا تأثير للعلم وقال أنت لما هلكت فيه صراط الذين أنعمت عليهم وقرئ في الشاذ صراط من أنعم عليه إشارة إلى الروح القدسي وتفسير الكل من أنعم الله عليه من رسول ونبي غير المغضوب عليهم ليس كذلك ولا الضالين يقول تعالى فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل فأجابها وأقام معوجها وأوضح صراطها ورفع بساطها يقول ربها أثر تمام دعائها آمين فحصلت الإجابة بالأمن تأمين الملائكة وصار تأمين الروح تابعا له اتباع الأجناد بل أطوع لكون الإرادة متحدة وصح لها النطق فسماها النفس الناطقة وهي عرش الروح والعقل صورة الاستواء فافهم وإلا فسلم تسلم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (فصول تأنيس وقواعد تأسيس) نظر الجمال بعين الوصال قال تعالى إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم إيجاز البيان فيه يا محمد إن الذين كفروا ستروا محبتهم في عنهم فسواء عليهم أأنذرتهم بوعيدك الذي أرسلتك به أم لم تنذرهم لا يؤمنون بكلامك فإنهم لا يعقلون غيري وأنت تنذرهم بخلقي وهم ما عقلوه ولا شاهدوه وكيف يؤمنون بك وقد ختمت على قلوبهم فلم أجعل فيها متسعا لغيري وعلى سمعهم فلا يسمعون كلاما في العالم إلا مني وعلى أبصارهم غشاوة من بهائي عند مشاهدتي فلا يبصرون سواي ولهم عذاب عظيم عندي أردهم بعد هذا المشهد السني إلى انذارك وأحجبهم عني كما فعلت بك بعد قاب قوسين أو أدنى قربا أنزلتك إلى من يكذبك ويرد ما جئت به إليه مني في وجهك وتسمع في ما يضيق له صدرك فأين ذلك الشرح الذي شاهدته في إسراءك فهكذا أمنائي على خلقي الذين أخفيتهم رضاي عنهم فلا أسخط عليهم أبدا (بسط ما أوجزناه في هذا الباب) انظر كيف أخفى سبحانه أولياءه في صفة أعدائه وذلك لما أبدع الأمناء من اسمه اللطيف وتجلى لهم في اسمه الجميل فأحبوه تعالى والغيرة من صفات المحبة في المحبوب والمحب بوجهين مختلفين فستروا محبته غيره منهم عليه كالشبلي وأمثاله وسترهم بهذه الغيرة عن أن يعرفوا فقال تعالى إن الذين كفروا أي ستروا ما بدا لهم في مشاهدتهم من أسرار الوصلة فقال لا بد أن أحجبكم عن ذاتي بصفاتي فتأهبوا لذلك فما استعدوا فأنذرتهم على ألسنة أنبيائي الرسل في ذلك العالم فما عرفوا لأنهم في عين الجمع وخاطبهم من عين التفرقة وهم ما عرفوا عالم التفصيل فلم يستعدوا وكان الحب قد استولى على قلوبهم سلطانه غيرة من الحق عليهم في ذلك الوقت فأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم روحا وقرآنا بالسبب الذي أصمهم عن إجابة ما دعاهم إليه فقال ختم الله على قلوبهم فلم يسعا غيره وعلى سمعهم فلا يسمعون سوى كلامه على ألسنة العالم فيشهدونه في العالم متكلما بلغاتهم وعلى أبصارهم غشاوة من سناه إذ هو النور وبهائه إذ له الجلال والهيبة يريد الصفة التي تجلى لهم فيها المتقدمة فأبقاهم غرقى في بحور اللذات بمشاهدة الذات فقال لهم لا بد لكم من
(١١٥)