لغة في لسان العرب والقائل بالخطبتين يرى أنه لا بد أن يجلس الخطيب بينهما يعني بين الخطبتين ويكون في كل واحدة منهما قائما يحمد الله في أولها ويصلي على النبي ص ويوصي بتقوى الله ويقرأ شيئا من القرآن في الأولى ويدعو في الثانية (وصل الاعتبار في ذلك) اعتبار درجات المنبر المقامات والترقي فيها الترقي في مقامات السلوك إلى الله تعالى حتى يكون الداعي على بصيرة كما يعاين ببصره الخطيب الجماعة ببصره وإن كان أعمى فهو بمنزلة الداعي على غير بصيرة وهو المقلد وأما الخطبة فالخطبة الأولى يذكر فيها ما يليق بالله من الثناء والتحريض على الأمور المقربة من الله بالدلائل من كتاب الله والخطبة الثانية بما يعطيه الدعاء والالتجاء من الذلة والافتقار والسؤال والتضرع في التوفيق والهداية لما ذكره وأمر به في الخطبة وقيامه في حال خطبته أما في الأولى فبحكم النيابة عن الحق فيما نذر به وأوعد ووعد فهو قيام حق بدعوة صدق وأما القيام في الثانية فقيام عبد بين يدي سيد كريم يسأل منه الإعانة فيما قال الله على لسانه في الخطبة الأولى من الوصايا وأما الجلسة بين الخطبتين ليفصل بين المقام الذي تقتضيه النيابة عن الحق تعالى فيما وعظ به عباده على لسان هذا الخطيب وبين المقام الذي يقتضيه مقام السؤال والرغبة في الهداية إلى الصراط المستقيم ولما لم يرد نص من الشارع بإيجاب الخطبة ولا بما يقال فيها إلا مجرد فعله لم يصح عندنا أن نقول يخطب شرعا ولا لغة إلا إنا ننظر ما فعل فنفعل مثله على طريق التأسي لا على طريق الوجوب ويقبله الله على ما يعلمه من ذلك قال تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وقال قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فنحن مأمورون باتباعه فيما سن وفرض فنجازي من الله تعالى فيما فرض جزاء فرضين فرض الاتباع وفرض الفعل الذي وقع فيه الاتباع ونجازى فيما سن ولم يفرضه جزاء فرض واحد وسنة فرض الاتباع وسنة الفعل الذي لم يوجبه فإن حوى ذلك الفعل على فرائض جوزنا جزاء الفريضة بما فيه من الفرائض كنافلة الصلاة ونافلة الحج فإنها عبادة تحوي على أركان وسنن ونوافل صدقة التطوع ما فيها شئ من الفرائض فنجازي في كل عمل بحسب ما يقتضيه ذلك العمل مما وعد الله للعامل به من الخير ولا بد من فرضية الاتباع فاعلم ذلك فالعارف يحمل درجات المنبر على الترقي في الأسماء الإلهية بالتخلق وفيها درج عال كالقادر والعالم ودرج دونه كالمقتدر وحتى نعلم وكان لمنبر رسول الله ص ثلاث أدراج وكذلك الأسماء على ثلاث مراتب لكل درج مرتبة فأسماء تدل على الذات لا تدل على أمر آخر وأسماء تدل على صفات تنزيه وأسماء تدل على صفات أفعال وما ثم مرتبة رابعة وكل هذه الأسماء قد ظهرت في العالم فأسماء الذات يتعلق بها ولا يتخلق وأسماء صفات التنزيه يقدس بها جناب الحق تعالى ويتخلق بها العبد بحسب ما تعطيه مما يليق به فكما إن العبد يقدس جلال الله أن تقوم به صفات الحدوث كذلك يقدس العبد بهذه الأسماء في التخلق بها نفسه أن تقوم به صفات القدم والغني المطلق وأسماء صفات الأفعال يوحد العبد بها ربه فلا يشرك في فعله تعالى أحدا من خلقه وما في الحضرة الإلهية سوى ما ذكرناه ولا في الإنسان سوى ما ذكرناه ولا في الإمكان سوى ما ذكرناه فالعبد لا يكون ربا لمن هو عبد له والرب لا يكون عبدا تعالى الله فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لكماله في الدلالة عليه واستيعابه ما نسب الحق إلى نفسه وإلى العالم فإن قلت فقول رسول الله ص في دعائه بالأسماء الإلهية حين قال أو استأثرت به في علم غيبك فلعله يدل على أمر آخر قلنا لا بد أن يدل ذلك الاسم إما على الله وإما على ما سوى الله وإما على الله وعلى ما سوى الله بوجهين واعتبارين وما ثم قسم ثالث وكل هذه الأقسام قد حصلت في هذه الأسماء التي بأيدينا من جهة معانيها فإن الذي يدل من ذلك الاسم الذي لم نعرفه على الله إما أن يدل على صفة تنزيه وقد وجدت عندنا وإما على صفة فعل وقد وجدت وإما على صفة يعقل معناها في المحدثات كالفرح والتعجب فغاية الأمر أن يكون العالم في الدلالة كما إن في الإمكان مثل هذا العالم مما لا يتناهى فقد انحصر الأمر فيما قد وجد من العالم من جهة الحقائق فاعلم ذلك (وصل في فصل الإنصات يوم الجمعة عند الخطبة) اختلف الناس في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب على ثلاثة أقوال فمن قائل إن الإنصات واجب على كل حال وإنه حكم لازم من أحكام الخطبة ومن قائل إن الكلام جائز في حال الخطبة إلا حين قراءة القرآن فيها ومن قائل بالتفريق في ذلك
(٤٦٣)