منها إذ لا نص في ذلك فاختار بعضهم عشرين ركعة سوى الوتر واستحسن بعضهم ستا وثلاثين ركعة والوتر ثلاث ركعات وهو الأمر القديم الذي كان عليه الصدر الأول والذي أقول به في ذلك أن لا توقيت فيه فإن كان ولا بد من الاقتداء فالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فإنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ما زاد على ثلاث عشرة ركعة بالوتر شيئا لا في رمضان ولا في غيره إلا أنه كان يطولهن ويحسنهن فهذا هو الذي اختاره ليجمع بين قيام رمضان والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (وصل الاعتبار في هذا الفصل) رمضان اسم من أسماء الله تعالى فالقيام في هذا الشهر من أجل هذا الاسم لأنه إذا ورد وجب القيام له قال تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين ورمضان اسمه سبحانه فيقوم العارف إجلالا لهذا الاسم الذي اختص به هذا الشهر الكريم هذا يحضر العارف في قيامه ثم إن لهذا الشهر من نعوت الحق حكما ليس لغيره وهو فرض الصوم على عباد الله وهو صفة صمدانية يتنزه الإنسان فيها عن الطعام والشراب والنكاح والغيبة وهذه كلها نعوت إلهية يتصف بها العبد في حال صومه فإذا جاء الليل قام العبد بين يدي الحق بصفاته التي كان عليها في نهاره وفرض له القيام في وقت الفطر ليعلم أنه عبد فقير متغذ ليس له ذلك التنزه حقيقة وإنما هو أمر عرض له ينبهه على التخلق بأوصاف الله من التنزيه عن حكم الطبيعة ولهذا أخبرنا تعالى في الحديث المروي عنه إن الصوم له وكل عمل ابن آدم لابن آدم يقول إن التنزه عن الطعام والشراب والنكاح لي لا لك يا عبدي لأني القائم بنفسي لا أفتقر في وجودي إلى حافظ يحفظه علي وأنت تفتقر في وجودك لحافظ يحفظه عليك وهو أنا فجعلت لك الغذاء وأفقرتك إليه لينبهك أني أنا الحافظ عليك وجودك ليصح عندك افتقارك ومع هذا الافتقار طغيت وتجبرت وتكبرت وتعاظمت في نفسك وقلت لمن هو مثلك أنا ربكم الأعلى وما علمت لكم من إله غيري وأنا وأنا وأنا وما استحييت في ذلك من فضيحتك بجوعك وعطشك وبولك وخراءتك وتألمك بالحر والبرد والآلام العارضة يا ابن آدم رهصتك ثلاث رهصات الفقر والمرض والموت ومع ذلك إنك وثاب فقيام رمضان قيام في الله فمن كان الحق ظرفا له فإن الله بكل شئ محيط فهذا معنى الظرفية فليس له خروج عنه فأحاطته بك في رمضان إحاطة تشريف وتنزيه حيث شرع لك فرضا في عبوديتك الاضطرارية للاتصاف بما ينبغي له لا لك وهو التنزه عن الغذاء وملابسة النساء طول النهار وهو النصف من عمر وجودك ثم تستقبل الليل فتخرج من ربوبيتك المنزهة عن الغذاء والنكاح إلى عبوديتك بالفطر والكل رمضان فأنت في رمضان كما أنت في الصلاة من قوله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي بنصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي كذلك رمضان قسمه بينه وبين عبده بنصفين نصف له وهو قوله الصوم لي وهو زمان النهار والنصف للعبد وهو الليل زمان فطره وقد قال في الصلاة إنها نور وقال في الصوم إنه ضياء والضياء هو النور قال تعالى هو الذي جعل الشمس ضياء وقال وجعل الشمس سراجا وشرع القيام في ليل رمضان ورغب فيه للمناسبة التي بين الصلاة والصوم في القسمة والنور ليكون ليله بصلاته مثل نهاره بصومه فبالنهار يتحد به وبالليل يتوحد له كما قلنا إذا صحت عزائمنا * ففي الأسرار نتحد والعزيمة النية والنية شرط في الصوم من الليل فنحن في الصوم مع الحق كما قالت بلقيس في عرشها كأنه هو وهو كان هو وإنما جهلها أدخل كاف التشبيه كذلك جهل الإنسان يقول أنا الصائم وكيف ينبغي للمتغذي أن يكون صائما هيهات قال الله الصوم لي لا لك فأزال عنه دعوى الصوم كما أزال عن بلقيس تشبيه العرش بعرشها فعلمت بعد ذلك أنه هو لا غيره فهذا معنى قولنا إذا صحت عزائمنا ففي الأسرار نتحد فإن قلت الصائم هو الإنسان صدقت وإن قلت الصوم لله لا للإنسان صدقت ولا معنى للاتحاد إلا صحة النسبة لكل واحد من المتحدين مع تميز كل واحد عن الآخر في عين الاتحاد فهو هو وما هو هو كما قلنا في بعض ما نظمناه في هذا المعنى في حال غلب علي لست أنا ولست هو * فمن أنا ومن هو هو فيا هو قل أنت أنا * ويا أنا هو أنت هو لا وأنا ما هو أنا * ولا هو ما هو هو * لو كان هو ما نظرت * أبصارنا به له
(٤٩٦)