وهو الأقل ولا يجزيه التحري ويسجد ومنهم من قال إن كان أول أمره فسدت صلاته وإن تكرر ذلك منه تحرى وعمل على غلبة الظن ثم يسجد سجدتين بعد السلام وقال قوم إنه ليس عليه إذا شك لا رجوع إلى يقين ولا تحر وإنما عليه السجود فقط إذا شك والذي أذهب إليه في هذه المسألة هذا القول الأخير وإن كان البنيان على اليقين أحوط وصل في اعتبار هذا الفصل الخاطر الأول إذا عرفه الإنسان اعتمد عليه والشك هو التردد بين أمرين أو أمور من غير ترجيح وغلبة الظن الميل بالترجيح لأحد المشكوكين من غير قطع وليس له رجوع لا إلى يقين ولا إلى غلبة ظن فإن الحكم لصاحب الوقت وهو الشك وكما يلزم المحذور فيما نقص من فعل العبادة كذلك يلزم في الزيادة فإنه شرع لم يأذن به الله والسجود إنما خوطب به الشاك فلو إن الذي يبني على يقين يزول عنه الشك كان حكمه حكم من لم يشك وأمنا في الزيادة في تلك العبادة فالذي شرع ذلك العمل هو الذي شرع السجود للشك فما خوطب بالسجود من تيقن ولا من غلب على ظنه فمن شك في دليل عقله في معرفة ربه وفي دليل سمعه المعارض دليل عقله في معرفة ربه فلم يثق بأحد الدليلين لأنه لم يترجح عنده أحد الدليلين فإنه لا يقدر أن يرفع عن نفسه صدق الخبر المتواتر الذي عارضه دليل عقله في علمه بما ينبغي لجلال الله من التنزيه في دليل عقله ولم يقدر أن يدفع عن نفسه لإيمانه ما وصف الحق نفسه بما ينبغي له عند هذا المؤمن لورود النص المتواتر به فلو لا أنه ابتغى له ما ورد به الخبر النبوي الذي يوجب القطع وتعارض الدليلان ولم يجد وجها للترجيح ولا للجمع فهذا هو الشاك فليسجد سجدتي السهو إذ سهى عن العمل بالإيمان من غير نظر في الدليلين ويفرع المحل ويخليه وهو القلب ويحليه بصدق التوجه وهو السجود لهذا الموصوف بالنقيضين والسجود محل القربة من الله ومحل بعد الشيطان منه فإنه يعتزل من العبد في حال سجوده وهو في حال سجوده صاحب شبهة فلا بد بعمله على الإيمان أن ينقدح لمن هذه الصفة صفته في قلبه علم بالله لم يكن عنده يرفع عنه الشك بأن يعطيه ذلك العلم إما الجمع بين الدليلين وإما الترجيح بالعثور على فساد ما يناقض الإيمان من أحد الدليلين ويعثر على الشبهة التي أوجبت التعارض قال الله تعالى واتقوا هنا بسجدتي السهو ويعلمكم الله هنا الجمع بين الدليلين المتعارضين أو الترجيح أو إبطال أحد الدليلين (وصل في فصل) ما هو من الصلاة فرض على الأعيان وما ليست بفرض على الأعيان اعلم أن من الصلاة ما هي فرض على الأعيان وهي ما تكلمنا فيها فيما مضى من هذا الباب ومنها ما ليست بفرض على الأعيان فأما التي ليست بفرض على الأعيان فمنها ما هي سنة ومنها ما هي فرض على الكفاية ومنها ما هي نفل والذي أذهب إليه أنه ما ثم فرض إلا الصلوات الخمس وما عداها ينبغي أن يسمى صلاة تطوع كما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الخبر الوارد في حديث الأعرابي نظر عندي إذ قال الأعرابي يا رسول الله هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم لا إلا أن تطوع بصلاة فتلزمك لزوم الفرائض فإن قوله هل على غيرها يعني من عند الله ألزمنيها ابتدا والصلاة إذا تطوعت بها مثل النذر ألزمك الله الإتيان بها بإلزامك نفسك إياها ثم إن هذه صلاة التطوع للشرع فيها أحوال مختلفة أدى ذلك الاختلاف إلى أن يجعل لها أسماء مختلفة لتعرف بها وجملتها فيما أحسب عشرة الوتر وركعتا الفجر والنفل وتحية المسجد وقيام رمضان والكسوف والاستسقاء والعيدان وسجود القرآن عند من يجعله صلاة فإذا فرغنا من هذه العشرة واعتباراتها سقنا صلاة الجنائز وصلاة الاستخارة وغير ذلك مما يسمى في الشرع صلاة وإن لم يكن فيها ركوع ولا سجود ولا إحرام ولا تسليم كالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المأمور بها شرعا منزلا وحكمة ذلك (وصل الاعتبار) الصلاة تقتضي العبودية ولما انقسمت الصلاة إلى قسمين كما قدمنا إلى ما هو فرض أعيان وإلى ما ليس بفرض انقسمت العبودية إلى قسمين عبودية اضطرار وبها أصلي فرائض الأعيان وعبودية اختيار وبها نصلي ما عدا فرض الأعيان وسماها الحق تعالى نوافل وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم تطوعا قال تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك يقول بعض الصالحين ما لأحد نافلة مقطوع بها إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها لا تصح النوافل إلا لمن كملت فرائضه ومن نقصت فرائضه
(٤٨٧)