ودنيا وبرزخ فما تركت لي وقتا تخلو بي فيه إلا جعلته لنفسك والليل لي يا عبدي لا للمحمدة والثناء ثم تتلو آية أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فتشاهدهم في تلاوتك وتفكر في مقاماتهم وأحوالهم وما أعطيت المؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات فوقفت بالثناء والمحمدة مع كل طائفة أثنيت عليهم في كتابي فأين أنا وأين خلوتك بي ما عرفني ولا عرف مقدار قولي الليل لي وما عرف لما ذا نزلت إليك بالليل إلا العارف المحقق الذي لقيه بعض إخوانه فقال له يا أخي اذكرني في خلوتك بربك فأجابه ذلك العبد فقال إذا ذكرتك فلست معه في خلوة فمثل ذلك عرف قدر نزولي إلى السماء الدنيا بالليل ولما ذا نزلت ولمن طلبت فإنا أتلو كتابي عليه بلسانه وهو يسمع فتلك مسامرتي وذلك العبد هو الملتذ بكلامي فإذا وقف مع معانيه فقد خرج عني بفكره وتأمله فالذي ينبغي له أن يصغي إلي ويخلي سمعه لكلامي حتى أكون أنا في تلك التلاوة كما تلوت عليه وأسمعته أكون أنا الذي أشرح له كلامي وأترجم له عن معناه فتلك مسامرتي معه فيأخذ العلم مني لا من فكره واعتباره فلا يبالي بذكر جنة ولا نار ولا حساب ولا عرض ولا دنيا ولا آخرة فإنه ما نظرها بعقله ولا بحث عن الآية بفكره وإنما ألقى السمع لما أقوله له وهو شهيد حاضر معي أتولي تعليمه بنفسي فأقول له يا عبدي أردت بهذه الآية كذا وكذا وبهذه الآية الأخرى كذا وكذا هكذا إلى أن ينصدع الفجر فيحصل من العلوم على يقين ما لم يكن عنده فإنه مني سمع القرآن ومني سمع شرحه وتفسير معانيه وما أردت بذلك الكلام وبتلك الآية والسورة فيكون حسن الأدب معي في استماعه وإصاخته فإن طالبته بالمسامرة في ذلك فيجيبني بحضور ومشاهدة يعرض على جميع ما كلمته به وعلمته إياه فإن كان أخذه على الاستيفاء وإلا فنجبر له ما نقصه من ذلك فيكون لي لا له ولا لمخلوق فمثل هذا العبد هو لي والليل بيني وبينه فإذا انصدع الفجر استويت على عرشي أدبر الأمر أفصل الآيات ويمشي عبدي إلى معاشه وإلى محادثة إخوانه وقد فتحت بيني وبينه بابا في خلقي ينظر إلي منه وانظر إليه منه والخلق لا يشعرون فأحدثه على ألسنتهم وهم لا يعرفون ويأخذ مني على بصيرة وهم لا يعلمون فيحسبون أنه يكلمهم وما يكلم سواي ويظنون أنه يجيبهم وما يجيب إلا إياي كما قال بعض أصحاب هذه الصفة يا مؤنسي بالليل إن هجع الورى * ومحدثي من بينهم بنهاري وإذ قد أبنت لك عن أهل الليل كيف ينبغي أن يكونوا في ليلهم فإن كنت منهم فقد علمتك الأدب الخاص بأهل الله وكيف ينبغي لهم أن يكونوا مع الله واعلم أنه تختلف طبقاتهم في ذلك فالزاهد حاله مع الله في ليله من مقام زهده والمتوكل حاله مع الله من مقام توكله وكذلك صاحب كل مقام ولكل مقام لسان هو الترجمان الإلهي فهم متباينون في المراتب بحسب الأحوال والمقامات وأقطاب أهل الليل هم أصحاب المعاني المجردة عن المواد المحسوسة والخيالية فهم واقفون مع الحق بالحق على الحق من غير حد ولا نهاية ووجود ضد ومن أهل الليل من يكون صاحب عروج وارتقاء ودنو فيتلقاه الحق في الطريق وهو نازل إلى السماء الدنيا فيتدلى إليه فيضع كنفه عليه وكل همة من كل صاحب معراج يتلقاها الحق في ذلك النزول حيث وجدها فمن الهمم من يلقاها الحق في السماء الدنيا ومنها من يلقاها في الثانية وفيما بينهما وفي الثالثة وفيما بينهما وفي الرابعة وفيما بينهما وفي الخامسة وفيما بينهما وفي السادسة وفيما بينهما وفي السابعة وفيما بينهما وفي الكرسي وفيما بينهما وفي العرش في أول النزول وفيما بينهما وهو مستوي الرحمن فيعطي لتلك الهمة من المعاني والمعارف والأسرار بحسب المنزل الذي لقيته فيه ثم تنزل معه إلى السماء الدنيا فتقف الهمم بين يديه ويستشرف الحق على من بقي من الهمم من أهل الليل في محاريبهم وما عرجت فيلقي إليهم الحق تعالى بحسب ما يسألونه في صلاتهم ودعائهم وهم في بيوتهم وفي محاريبهم فتسمع تلك الهمم التي لقيته في طريقها ما يكون منه جل جلاله إلى أولئك العبيد فيستفيدون علوما لم تكن عندهم فإنه قد يخطر لهؤلئك الذين ما صعدت هممهم من السؤال للحق في المعارف والأسرار ما لم يكن في قوة هذه الهمم أن تسألها لقصورها عنها فإذا سمعوا الجواب من الحق الذي يجيب به أولئك القوم الذين في محاريبهم وما اخترقت هممهم سماء ولا فلكا فيحصل لهم من العلم بالله بقدر ما سأل عنه أولئك الأقوام وثم همم أخر ارتقت فوق العرش إلى مرتبة
(٢٣٩)