تقع القسمة بيننا وبينه وهو السيد الفاعل المحرك الذي يقولنا في قولنا إياك نعبد وأمثال ذلك مما أضافه إلينا وقد علمنا أن نواصينا بيده في قيامنا وركوعنا وسجودنا وجلوسنا وفي نطقنا يقول العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي تفضلا منه فإنه من قوله بهذه اللفظة وما قدره حتى بقول السيد قال عبدي وقلت له هذا حجاب مسدل فينبغي للعبد أن يعرف أن لله مكرا خفيا في عباده وكل أحد يمكر به على قدر علمه بربه فيأخذ هذا التكريم الإلهي ابتداء من الله مدرجا في نعمة فإذا صلى وتلا قال الحمد لله يقولها حكاية من حيث ما هو مأمور بها لتصح عبوديته في صلاته ولا ينتظر الجواب ولا يقول ليجاب بل يشتغل بما كلفه سيده به من العمل حتى يكون ذلك الجواب والإنعام من السيد لا من كونه قال فإن القائل على الحقيقة خالق القول فيه فنسلم من هذا المكر وإن كان منزلة رفيعة ولكن بالنظر إلى من هو في غير هذه المنزلة ممن نزل عنها فما ورثنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المقام الذي أغلق بابه دوننا إلا ما ذكرناه من عناية الحق بمن كشف له عن ذلك ورزقه علم نقل الوحي بالرواية من كتاب وسنة فما أشرف مقام أهل الرواية من المقرئين والمحدثين جعلنا الله ممن اختص بنقله من قرآن وسنة فإن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته والحديث مثل القرآن بالنص فإنه صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وممن تحقق بهذا المقام معنا أبو يزيد البسطامي كشف له منه بعد السؤال والتضرع قدر خرق الإبرة فأراد أن بضع قدمه فيه فاحترق فعلم أنه لا ينال ذوقا وهو كمال العبودة وقد حصل لنا منه صلى الله عليه وسلم شعرة وهذا كثير لمن عرف فما عند الخلق منه إلا ظله ولما أطلعني الله عليه لم يكن عن سؤال وإنما كان عن عناية من الله ثم إنه أيدني فيه بالأدب رزقا من لدنه وعناية من الله بي فلم يصدر مني هناك ما صدر من أبي يزيد بل اطلعت عليه وجاء الأمر بالرقي في سلمة فعلمت إن ذلك خطاب ابتلاء وأمر ابتلاء لا خطاب تشريف على أنه قد يكون بعض الابتلاء تشريفا فتوقفت وسألت الحجاب فعلم ما أردت فوضع الحجاب بيني وبين المقام وشكر لي ذلك فمنحني منه الشعرة التي ذكرناها اختصاصا إلهيا فشكرت الله على الاختصاص بتلك الشعرة غير طالب بالشكر الزيادة وكيف أطلب الزيادة من ذلك وأنا أسأل الحجاب الذي هو من كمال العبودية فسرت في العبودة وظهر سلطانها وحيل بيني وبين مرتبة السيادة لله الحمد على ذلك وكم طلبت إليها وما أجبت وهكذا إن شاء الله أكون في الآخرة عبدا محضا خالصا ولو ملكني جميع العالم ما ملكت منه إلا عبوديته خاصة حتى يقوم بذاتي جميع عبودية العالم وللناس في هذا مراتب فالذي ينبغي للعبد أن لا يزيد على هذا الاسم غيره فإن أطلق الله ألسنة الخلق عليه بأنه ولي الله ورأى أن الله قد أطلق عليه اسما أطلقه تعالى على نفسه فلا يسمعه ممن يسميه به إلا على أنه بمعنى المفعول لا بمعنى الفاعل حتى يشم فيه رائحة العبودية فإن بنية فعيل قد تكون بمعنى الفاعل وإنما قلنا هذا من أجل ما أمرنا أن نتخذه سبحانه وكيلا فيما هو له مما نحن مستخلفون فيه فإن في مثل هذا مكرا خفيا فتحفظ منه ويكفي من التنبيه الإلهي العاصم من المكر كونك مأمورا بذلك فامتثل أمره واتخذه وكيلا لا تدعى الملك فإن الله تولاك فإنه قال وهو يتولى الصالحين واسم الصالح من خصائص العبودية ولهذا وصف محمد صلى الله عليه وسلم نفسه بالصلاح فإنه ادعى حالة لا تكون إلا للعبيد الكمل فمنهم من شهد له بها الحق عز وجل بشرى من الله فقال في عبده يحيى عليه السلام نبيا من الصالحين وقال في نبيه عيسى عليه السلام وكهلا ومن الصالحين وقال في إبراهيم عليه السلام وإنه في الآخرة لمن الصالحين من أجل الثلاثة الأمور التي صدرت منه في الدنيا وهي قوله عن زوجته سارة إنها أخته بتأويل وقوله إني سقيم اعتذارا وقوله بل فعله كبيرهم إقامة حجة فبهذه الثلاثة يعتذر يوم القيامة للناس إذا سألوه أن يسأل ربه فتح باب الشفاعة فلهذا ذكر صلاحه في الآخرة إذ لم يؤاخذه بذلك كما قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقال عفا الله عنك لم أذنت لهم فقدم البشرى قبل العتاب وهذه الآية عندنا بشرى خاصة ما فيها عتاب بل هو استفهام لمن أنصف وأعطى أهل العلم حقهم وأما سليمان وأمثاله عليهم السلام فأخبرنا الحق أنه قال وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وإن كانوا صالحين في نفس الأمر عند الله فهم بين سائل في الصلاح ومشهود له به مع كونه نعتا عبوديا لا يليق بالله فما ظنك بالاسم الولي الذي قد تسمى الله به بمعنى الفاعل فينبغي أن لا ينطلق ذلك
(٢٣٠)