وإن قلنا الشفيع أولي (فللشافعي وجهان أظهرهما إنه يجاب ويفسخ الرد أو يقول بينا ان الرد كان باطلا وهو الأقوى عندي والثاني لا يجاب لتقدم الرد وهذا الخلاف في أن الشفيع أولي صح) أو المشترى جار فيما إذا اشترى شقصا بعبد ثم وجد البايع بالعبد عيبا فأراد رده واسترداد الشقص وأراد الشفيع أخذه بالشفعة وسيأتى وفيما إذا اشترى شقصا بعبد وقبض الشقص قبل تسليم العبد فتلف العبد في يده تبطل شفعة الشفيع في وجه ويتمكن من الاخذ في الثاني كما لو تلف بعد أخذ الشفيع فإن الشفعة لا تبطل بل على الشفيع قيمة العبد للمشترى وعلى المشترى قيمة الشقص للبايع ولو كان الثمن معينا وتلف قبل القبض بطل البيع والشفعة. مسألة. لا تثبت الشفعة في عقد غير البيع سواء كان عقد معاوضة كالهبة المعوض عنها والإجارة والنكاح وغيرها من جميع العقود عند علمائنا أجمع فلو تزوج امرأة وأصدقها شقصا لم تثبت الشفعة عند علمائنا وبه قال أبو حنيفة للأصل الدال على أصالة عصمة مال الغير وإنه لا يحل أخذه منه إلا عن طيبة نفس خرج ما اتفقا على إثبات الشفعة فيه للنصوص فيبقى الباقي على أصله وما رواه في الصحيح أبو بصير عن الباقر (ع) قال سألته عن رجل تزوج امرأة على بيت في دار له وله في تلك الدار شركاء قال جايز له ولها ولا شفعة لاحد من الشركاء عليها وقول الصادق (ع) الشفعة في البيوع ولان البضع ليس بمال وإذا ملك الشقص بغير مال لا تثبت فيه الشفعة كالهبة وقال الشافعي ومالك تثبت الشفعة ثم اختلفا فقال الشافعي يأخذه الشفيع بمهر مثل الزوجة وقال مالك بقيمة الشقص لأنه عقد معاوضة فجاز أن يثبت الشفعة في الأرض المملوكة به كالمبيع ويمنع صلاحية عقد المعاوضة للعلية بل العلة عقد خاص وهو البيع وقال مالك ولو أوجبنا مهر المثل لقومنا البضع على الأجانب ولا ضربنا بالشفيع لأنه قد يتفاوت مهر المثل مع المسمى لان المهر قد يسامح فيه في العادة بخلاف البضع قالت الشافعية إن المرأة ملكت الشقص القابل للشفعة ببدل ليس له مثل فوجب الرجوع إلى القيمة في الاخذ بالشفعة كما لو باع سلعة لا مثل لها ولا يمتنع تقويم البضع على الأجنبي بسبب كما يقومه على المرضعة وشاهدي الطلاق إذا رجعا والمسامحة لا اعتبار بها والظاهر إن العوض يكون عوض المثل. مسألة إذا أصدقها شقصا ثم طلقها قبل الدخول فلا شفعة عندنا وقال الشافعي تثبت الشفعة فعلى قوله لا يخلوا إما أن يكون قد طلقها بعد ما أخذ الشفيع الشقص أو بعد عفوه قبل علمه فإن طلقها بعد ما أخذ رجع الزوج إلى قيمة الصداق لزوال ملكها عن الصداق كما لو باعته ثم طلقها ويكون له قيمة نصف الصداق أقل ما كان من حين العقد إلى حين القبض وإن طلقها بعد عفو الشفيع رجع في نصف الشقص لان حق الشفيع قد سقط والشقص في يدها نصفه وتعلق حق الشفيع قبل سقوطه لا يمنع من الرجوع بعد سقوطه ألا ترى إنه لو باعته ثم اشترته ثم طلقها الزوج فإنه يرجع في نصفه وإن طلقها قبل أن يعلم الشفيع ثم علم وجاء يريد أخذه بالشفعة فله أخذ نصفه وأما النصف الآخر فهل الزوج أولي به أو الشفيع وجهان (للشافعية صح) أحدهما إن الشفيع أولي لان حقه أسبق فإن حق الزوج ثبت بالطلاق والثاني الزوج أولي لان حقه يثبت بالنص والأول أصح عندهم لان حق الشفعة في الجملة ثبت أيضا بالاجماع كما إن حق الزوج ثبت بالنص في الجملة هذا عندنا ساقط إذ لا شفعة هنا. مسألة. لو اشترى شقصا وأفلس بالثمن وأراد البايع الرجوع في الشقص وطلبه الشفيع فالأقوى عندي تقديم حق الشفيع ويؤخذ منه الثمن ويدفع إلى البايع لان حقه ثبت بالعقد وحق البايع ثبت بالافلاس والعقد أسبق واسبق الحقين أولي بالرعاية ولا منع الشفيع يقتضى إبطال حقه بالكلية وإذا قدمناه لا يبطل حق البايع بل ينتقل إلى البدل ولان حق الشفيع أقوى من حق البايع فإن الشفيع يبطل تصرف المشترى (ويؤخذ الشقص والبايع لا يبطل تصرف المشترى صح) عند إفلاسه وهذا وجه للشافعي وله وجهان آخران أحدهما تقديم حق البايع لاستناد حقه إلى ملك سابق ولان البايع لم يرض بزوال الشقص إلا على أن يسلم له الثمن فإذا لم يسلم وجب أن لا يؤخذ منه والآخر الشفيع أولي ويكون الثمن أسوة الغرماء لان حق البايع إذا انتقل عن العين إلى الذمة التحق بساير الغرماء وقيل يقدم البايع بالثمن رعاية للجانبين والثالث إن كان البايع سلم الشقص ثم أفلس المشترى لم يكن أولي بالثمن (لرضائه بذمة المشترى وإن لم يسلمه فهو أولي بالثمن صح) وهذا الخلاف بين الشافعية ثابت في الزوج إذا اطلق قبل الدخول أو ارتد والمهر الشقص وقال بعض الشافعية إن الشفيع أولي من الزوج والبايع أولي من الشفيع في الافلاس لان الثابت للزوج بالطلاق الملك والشفيع يثبت له ولاية التملك لكن الشفيع أسبق حقا فهو أولي بالتقديم هذا إن اجتمع الشفيع مع الزوج أو البايع أما لو أخذ الشفيع الشقص من يد الزوجة ثم طلق الزوج أو من يد المشترى ثم أفلس فلا رجوع للزوج وللبايع مجال لكن البايع يرجع إلى الثمن والزوج إلى القيمة في مالها كما لو زال الملك ببيع وشبهه ولو طلقها قبل علم الشفيع وأخذ النصف فلا شفعة عندنا وقال الشافعي إذا جاء الشفيع ففي استرداده ما أخذ الزوج وجهان كما إذا جاء بعد الرد بالعيب وحكى الجويني طريقة قاطعة بالمنع لان المهر يشطر؟ بالطلاق من غير اختيار فيبعد نقضه فإن قلنا يسترده أخذه وما بقى في يدها وإلا أخذ ما في يدها ودفع إليها نصف مهر المثل ولو كان للشقص الممهور شفيعان وطلبا وأخذ أحدهما نصفه وطلقها قبل أن يأخذ الآخر لم يأخذ الزوج النصف الحاصل في يد الشفيع وهل هو أولي في النصف الآخر أم الشفيع فيه ما سبق من الخلاف ويجرى فيما إذا أخذ أحد الشفيعين من يد المشترى ثم أفلس فإن قلنا الشفيع أولي ضارب البايع مع الغرماء بالثمن وإن قلنا البايع أولي فإن شاء أخذ النصف الثاني وضارب مع الغرماء بنصف الثمن وإلا تركه وضارب بجميع الثمن. مسألة. قد بينا إن الشفعة إنما تثبت بالبيع خاصة وقال الشافعي تثبت بكل عقد معاوضة ووافقنا على ما إذا ملك من غير معاوضة فلا شفعة عليه كالإرث والهبة والوصية أما الإرث فلان الوارث يملك بغير اختياره بخلاف المشترى المالك باختياره فإنه بدخوله على الشريك سلط الشريك عليه دفعا للتضرر به وقد كان من حقه أن لا يدخل عليه وأما الهبة والوصية فلان المتهب والموصى (له يقلد المنة من الواهب والموصى صح) حيث قبلا تبرعهما ولو أخذ الشفيع لاخذ عن استحقاق وتسلط فلا يكون متقلدا للمنة و وضع الشفعة على أن يأخذ الشفيع بما أخذ به التملك أما لو شرط في الهبة الثواب أو قلنا إنها تقتضي الثواب مع الاطلاق فلا شفعة فيها أيضا عندنا وقال الشافعي إن كان العوض معلوما صحت الهبة وكانت بيعا ويثبت فيه الشفعة سواء تقابضا أو لم يتقابضا وبه قال زفر لأنه ملك بعوض فلم يفتقر إلى التقابض كالبيع وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يثبت حتى يتقابضا لان الهبة لا تلزم إلا بالقبض فهو بمنزلة بيع الخيار وأجاب الشافعية بأنه لا يصح ما قالوه من اعتبار لفظ الهبة لان العوض يصرفها عن مقتضاها وتصير عبارة عن البيع وخاصة عندهم ينعقد بها النكاح ولا يفتقر النكاح إلى القبض فأما إذا كانت بغير شرط العوض فكذلك مبنى على القولين في اقتضائها الثواب وكل موضع قلنا تقتضي الثواب ثبت الشفعة فيها بمثل الثواب إن كان مثليا وإلا القيمة وكل موضع قلنا لا يقتضيه لم تثبت الشفعة ولو أثابه الموهوب له وقال ابن أبي ليلى تثبت الشفعة فيها بقيمة الشقص وهو إحدى الروايتين عن مالك لان الشفعة تثبت لإزالة الضرر بالاشتراك وذلك موجود في الهبة قالت الشافعية إنه يملكها بغير بدل فأشبه الميراث وأما الضرر فلا يزال بضرر وفي أخذ الهبة ضرر لأنه لا عوض فيها وإذا أخذها بغير عوض أبطل عوض الواهب والمتهب معا وعن الشافعي قول آخر إنه إذا اشترط الثواب أو قلنا إنها تقتضيه لا يؤخذ كمذهبنا لأنه ليس المقصود منه المعاوضة وعلى قول الآخذ ففي أخذه قبل قبض الموهوب وجهان أظهرهما الاخذ لأنه صار بيعا والثاني لا لان الهبة لا يتم إلا بالقبض وهذا هو الخلاف في أن الاعتبار باللفظ أم بالمعنى. مسألة. لو كان بين اثنين دار فادعى أجنبي ما في يد أحدهما فصالحه المتشبث عليه فلا شفعة عندنا لأنها تتبع البيع والصلح عقد مستقل بنفسه مغاير للبيع وقال الشافعي إن صالحه بعد إقراره له به صح الصلح ويثبت الشفعة للشريك لان الصلح عنده (بيع فإن أنكره صالح ولم يصح الصلح عنده صح) بناء على مذهبه من أن الصلح لا يصح عن الانكار وكذا لو ادعى رجل على أحد الشريكين في الدار ألفا فصالحه منها على نصف الدار الذي له فلا شفعة عندنا
(٥٩٢)