الأعمال فإنه حين نبذه وراء ظهره ظن أن لن يحور أي تيقن قال الشاعر فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج أي تيقنوا ورد في الصحيح يقول الله له يوم القيامة أظننت أنك ملاقي وقال تعالى وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم الثالث الموازين فتوضع الموازين لوزن الأعمال فيجعل فيها الكتب بما عملوا وآخر ما يوضع في الميزان قول الإنسان الحمد لله ولهذا قال صلى الله عليه وسلم الحمد لله تملأ الميزان فإنه يلقى في الميزان جميع أعمال العباد إلا كلمة لا إله إلا الله فيبقى من ملئه تحميدة فتجعل فيمتلئ بها فإن كفة ميزان كل أحد بقدر عمله من غير زيادة ولا نقصان وكل ذكر وعمل يدخل الميزان إلا لا إله إلا الله كما قلنا وسبب ذلك أن كل عمل خير له مقابل من ضده فيجعل هذا الخير في موازنته ولا يقابل لا إله إلا الله إلا الشرك ولا يجتمع توحيد وشرك في ميزان أحد لأنه إن قال لا إله إلا الله معتقدا لها فما أشرك وإن أشرك فما اعتقد لا إله إلا الله فلما لم يصح الجمع بينهما لم يكن لكلمة لا إله إلا الله من يعادلها في الكفة الأخرى ولا يرجحها شئ فلهذا لا تدخل الميزان وأما المشركون فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا أي لا قدر لهم ولا يوزن لهم عمل ولا من هو من أمثالهم ممن كذب بلقاء الله وكفر بآياته فإن أعمال خير المشرك محبوطة فلا يكون لشرهم ما يوازنه فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا وأما صاحب السجلات فإنه شخص لم يعمل خير قط إلا أنه تلفظ يوما بكلمة لا إله إلا الله مخلصا فتوضع له في مقابلة التسعة والتسعين سجلا من أعمال الشر كل سجل منها كما بين المغرب والمشرق وذلك لأنه ما له عمل خير غيرها فترجح كفنها بالجميع وتطيش السجلات فيتعجب من ذلك ولا يدخل الموازين إلا أعمال الجوارح شرها وخيرها السمع والبصر واللسان واليد والبطن والفرج والرجل وأما الأعمال الباطنة فلا تدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيها العدل وهو الميزان الحكمي المعنوي محسوس لمحسوس ومعنى لمعنى يقابل كل شئ بمثله فلهذا توزن الأعمال من حيث ما هي مكتوبة الرابع الصراط وهو الصراط المشروع الذي كان هنا معنى ينصب هنالك حسا محسوسا يقول الله لنا وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية خط خطا وخط عن جنبتيه خوطا هكذا وهذا هو صراط التوحيد ولوازمه وحقوقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله أراد بقوله وحسابهم على الله أنه لا يعلم أنهم قالوها معتقدين لها إلا الله فالمشرك لا قدم له على صراط التوحيد وله قدم على صراط الوجود والمعطل لا قدم له على صراط الوجود فالمشرك ما وحد الله هنا فهو من الموقف إلى النار مع المعطلة ومن هو من أهل النار الذين هم أهلها إلا المنافقين فلا بد لهم أن ينظروا إلى الجنة وفيها من النعيم فيطمعون فذلك نصيبهم من نعيم الجنان ثم يصرفون إلى النار وهذا من عدل الله فقوبلوا بأعمالهم والطائفة التي لا تخلد في النار إنما تمسك وتسأل وتعذب على الصراط والصراط على متن جهنم غائب فيها والكلاليب التي فيه بها يمسكهم الله عليه ولما كان الصراط في النار وما ثم طريق إلى الجنة إلا عليه قال تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ومن عرف معنى هذا القول عرف مكان جهنم ما هو ولو قاله النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنه لقلته فما سكت عنه وقال في الجواب في علم الله إلا بأمر إلهي فإنه ما ينطق عن الهوى وما هو من أمور الدنيا فسكوتنا عنه هو الأدب وقد أتى في صفة الصراط أنه أدق من الشعر وأحد من السيف وكذا هو علم الشريعة في الدنيا لا يعلم وجه الحق في المسألة عند الله ولا من هو المصيب من المجتهدين بعينه ولذلك تعبدنا بغلبات الظنون بعد بذل المجهود في طلب الدليل لا في المتواتر ولا في خبر الواحد الصحيح المعلوم فإن المتواتر وإن أفاد العلم فإن العلم المستفاد من التواتر إنما هو عين هذا اللفظ أو العلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله أو عمل به ومطلوبنا بالعلم ما يفهم من ذلك القول والعمل حتى يحكم في المسألة على القطع وهذا لا يوصل إليه إلا بالنص الصريح المتواتر وهذا لا يوجد إلا نادرا مثل قوله تعالى تلك عشرة كاملة في كونها عشرة خاصة فحكمها بالشرع أحد من السيف وأدق من الشعر في الدنيا فالمصيب للحكم واحد لا بعينه والكل مصيب للأجر فالشرع هنا هو الصراط المستقيم ولا يزال في كل ركعة من الصلاة يقول اهدنا الصراط المستقيم فهو أحد من السيف وأدق من الشعر فظهوره في الآخرة محسوس أبين وأوضح من ظهوره في الدنيا إلا لمن دعا إلى الله على
(٣١٥)