بصيرة كالرسول وأتباعه فألحقهم الله بدرجة الأنبياء في الدعاء إلى الله على بصيرة أي على علم وكشف وقد ورد في خبر أن الصراط يظهر يوم القيامة متنه للأبصار على قدر نور المارين عليه فيكون دقيقا في حق قوم وعريضا في حق آخرين يصدق هذا الخبر قوله تعالى نورهم يسعى بين أيديهم وبإيمانهم والسعي مشي وما ثم طريق إلا الصراط وإنما قال بإيمانهم لأن المؤمن في الآخرة لا شمال له كما أن أهل النار لا يمين لهم هذا بعض أحوال ما يكون على الصراط وأما الكلاليب والخطاطيف والحسك كما ذكرنا هي من صور أعمال بني آدم تمسكهم أعمالهم تلك على الصراط فلا ينتهضون إلى الجنة ولا يقعون في النار حتى تدركهم الشفاعة والعناية الإلهية كما قررنا فمن تجاوز هنا تجاوز الله عنه هناك ومن أنظر معسرا أنظره الله ومن عفا عفا الله عنه ومن استقصى حقه هنا من عباده استقصى الله حقه منه هناك ومن شدد على هذه الأمة شدد الله عليه وإنما هي أعمالكم ترد عليكم فالتزموا مكارم الأخلاق فإن الله غدا يعاملكم بما عاملتم به عباده كان ما كان وكانوا ما كانوا الخامس الأعراف وأما الأعراف فسور بين الجنة والنار باطنه فيه الرحمة وهو ما يلي الجنة منه وظاهره من قبله العذاب وهو ما يلي النار منه يكون عليه من تساوت كفتا ميزانه فهم ينظرون إلى النار وينظرون إلى الجنة وما لهم رجحان بما يدخلهم أحد الدارين فإذا دعوا إلى السجود وهو الذي يبقى يوم القيامة من التكليف فيسجدون فيرجح ميزان حسناتهم فيدخلون الجنة وقد كانوا ينظرون إلى النار بما لهم من السيئات وينظرون إلى الجنة بما لهم من الحسنات ويرون رحمة الله فيطمعون وسبب طمعهم أيضا إنهم من أهل لا إله إلا الله ولا يرونها في ميزانهم ويعلمون أن الله لا يظلم مثقال ذرة ولو جاءت ذرة لإحدى الكفتين لرجحت بها لأنهما في غاية الاعتدال فيطمعون في كرم الله وعدله وأنه لا بد أن يكون لكلمة لا إله إلا الله عناية بصاحبها يظهر لها أثر عليهم يقول عز وجل فيهم وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون كما نادوا أيضا إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين والظلم هنا الشرك لا غير السادس ذبح الموت الموت وإن كان نسبة فإن الله يظهره يوم القيامة في صورة كبش أملح وينادي يا أهل الجنة فيشرئبون وينادي يا أهل النار فيشرئبون وليس في النار في ذلك الوقت إلا أهلها الذين هم أهلها فيقال للفريقين أ تعرفون هذا وهو بين الجنة والنار فيقولون هو الموت ويأتي يحيى عليه السلام وبيده الشفرة فيضجعه ويذبحه وينادي مناديا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت وذلك هو يوم الحسرة فأما أهل الجنة إذا رأوا الموت سروا برؤيته سرورا عظيما ويقولون له بارك الله لنا فيك لقد خلصتنا من نكد الدنيا وكنت خير وارد علينا وخير تحفة أهداها الحق إلينا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الموت تحفة المؤمن وأما أهل النار إذا أبصروه يفرقون منه ويقولون له لقد كنت شر وارد علينا حلت بيننا وبين ما كنا فيه من الخير والدعة ثم يقولون له عسى تميتنا فنستريح مما نحن فيه وإنما سمي يوم الحسرة لأنه حسر للجميع أي ظهر عن صفة الخلود الدائم للطائفتين ثم تغلق أبواب النار غلقا لا فتح بعده وتنطبق النار على أهلها ويدخل بعضها في بعض ليعظم انضغاط أهلها فيها ويرجع أسفلها أعلاها وأعلاها أسفلها وترى الناس والشياطين فيها كقطع اللحم في القدر إذ كان تحتها النار العظيمة تغلي كغلي الحميم فتدور بمن فيها علوا وسفلا كلما خبت زدناهم سعيرا بتبديل الجلود السابع المأدبة وهي مأدبة الملك لأهل الجنة وفي ذلك الوقت يجتمع أهل النار في مندبة فأهل الجنة في المأدب وأهل النار في المنادب وطعامهم في تلك المأدبة زيادة كبد النون وأرض الميدان درمكة بيضاء مثل القرصة ويخرج من الثور الطحال لأهل النار فيأكل أهل الجنة من زيادة كبد النون وهو حيوان بحري مائي فهو من عنصر الحياة المناسبة للجنة والكبد بيت الدم وهو بيت الحياة والحياة حارة رطبة وبخار ذلك الدم هو النفس المعبر عنه بالروح الحيواني الذي به حياة البدن فهو بشارة لأهل الجنة ببقاء الحياة عليهم وأما الطحال في جسم الحيوان فهو بيت الأوساخ فإن فيه تجتمع أوساخ البدن وهو ما يعطيه الكبد من الدم الفاسد فيعطي لأهل النار يأكلونه وهو من الثور والثور حيوان ترابي طبعه البرد واليبس وجهنم على صورة الجاموس والطحال من الثور لغذاء أهل النار أشد مناسبة فبما في الطحال من الدمية لا يموت أهل النار وبما فيه من أوساخ البدن
(٣١٦)