ممن ذكرنا ومن المؤمنين وهي الأماكن التي كانت معينة لأهل النار لو دخلوها والجنة الثالثة جنة الأعمال وهي التي ينزل الناس فيها بأعمالهم فمن كان أفضل من غيره في وجوه التفاضل كان له من الجنة أكثر وسواء كان الفاضل دون المفضول أولم يكن غير أنه فضله في هذا المقام بهذه الحالة فما من عمل من الأعمال إلا وله جنة ويقع التفاضل فيها بين أصحابها بحسب ما تقتضي أحوالهم ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لبلال يا بلال بم سبقتني إلى الجنة فما وطئت منها موضعا إلا سمعت خشخشتك أمامي فقال يا رسول الله ما أحدثت قط إلا توضأت ولا توضأت إلا صليت ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما فعلمنا أنها كانت جنة مخصوصة بهذا العمل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبلال بم نلت أن تكون مطرقا بين يدي تحجبني من أين لك هذه المسابقة إلى هذه المرتبة فلما ذكر له ذلك قال له صلى الله عليه وسلم بهما فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه إلا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها والتفاضل على مراتب فمنها بالسن ولكن في الطاعة والإسلام فيفضل الكبير السن على الصغير السن إذا كانا على مرتبة واحدة من العمل بالسن فإنه أقدم منه فيه ويفضل أيضا بالزمان فإن العمل في رمضان وفي يوم الجمعة وفي ليلة القدر وفي عشر ذي الحجة وفي عاشوراء أعظم من سائر الأزمان وكل زمان عينه الشارع وتقع المفاضلة بالمكان كالمصلي في المسجد الحرام أفضل من صلاة المصلي في مسجد المدينة وكذلك الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في المسجد الأقصى وهكذا فضل الصلاة في المسجد الأقصى على سائر المساجد ويتفاضلون أيضا بالأحوال فإن الصلاة في الجماعة في الفريضة أفضل من صلاة الشخص وحده وأشباه هذا ويتفاضلون بالأعمال فإن الصلاة أفضل من إماطة الأذى وقد فضل الله الأعمال بعضها على بعض ويتفاضلون أيضا في نفس العمل الواحد كالمتصدق على رحمه فيكون صاحب صلة رحم وصدقة والمتصدق على غير رحمه دونه في الأجر وكذلك من أهدى هدية لشريف من أهل البيت أفضل ممن أهدى لغير شريف أو بره أو أحسن إليه ووجوه المفاضلة كثيرة في الشرع وإن كانت محصورة ولكن أريتك منها أنموذجا تعرف به ما قصدناه بالمفاضلة والرسل عليهم السلام إنما ظهر فضلها في الجنة على غيرها بجنة الاختصاص وأما بالعمل فهم في جنات الأعمال بحسب الأحوال كما ذكرنا وكل من فضل غيره ممن ليس في مقامه فمن جنات الاختصاص لا من جنات الأعمال ومن الناس من يجمع في الزمن الواحد أعمالا كثيرة فيصرف سمعه فيما ينبغي في زمان تصريفه بصره في زمان تصريفه يده في زمان صومه في زمان صدقته في زمان صلاته في زمان ذكره في زمان نيته من فعل وترك فيؤجر في الزمن الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس له ذلك ولذلك لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الثمانية الأبواب من الجنة أن يدخل من أيها شاء قال أبو بكر يا رسول الله وما على الإنسان أن يدخل من الأبواب كلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجو أن تكون منهم يا أبا بكر فأراد أبو بكر بذلك القول ما ذكرنا أن يكون الإنسان في زمان واحد في أعمال كثيرة تعم أبواب الجنة ومن هنا أيضا تعرف النشأة الآخرة فكما لا تشبه الجنة الدنيا في أحوالها كلها وإن اجتمعت في الأسماء كذلك نشأة الإنسان في الآخرة لا تشبه نشأة الدنيا وإن اجتمعتا في الأسماء والصورة الشخصية فإن الروحانية على نشأة الآخرة أغلب من الحسية وقد ذقناه في هذه الدار الدنيا مع كثافة هذه النشأة فيكون الإنسان بعينه في أماكن كثيرة وأما عامة الناس فيدركون ذلك في المنام ولقد رأيت رؤيا لنفسي في هذا النوع وأخذتها بشرى من الله فإنها مطابقة لحديث نبوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ضرب لنا مثله في الأنبياء عليهم السلام فقال صلى الله عليه وسلم مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى حائطا فأكمله إلا لبنة واحدة فكنت أنا تلك اللبنة فلا رسول بعدي ولا نبي فشبه النبوة بالحائط والأنبياء باللبن التي قام بها هذا الحائط وهو تشبيه في غاية الحسن فإن مسمى الحائط هنا المشار إليه لم يصح ظهوره إلا باللبن فكان صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فكنت بمكة سنة تسع وتسعين وخمسمائة أرى فيما يرى النائم الكعبة مبنية بلبن فضة وذهب لبنة فضة ولبنة ذهب وقد كملت بالبناء وما بقي فيها شئ وأنا أنظر إليها وإلى حسنها فالتفت إلى الوجه الذي بين الركن اليماني والشامي هو إلى الركن الشامي أقرب فوجدت موضع لبنتين لبنة فضة ولبنة ذهب ينقص من الحائط في الصفين في الصف
(٣١٨)