فكان بيته الايمان وحده من القبلة الصلاة ومن الشمال الصوم ومن الغرب صدقة السر ومن الشرق الحج فلقد سعد ساكنه واعلم أن لا إله إلا الله كلمة نفي وإثبات وهي أفضل كلمة قالتها الأنبياء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة فيه إشارة لدعاء العارفين بالله وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وهو حديث صحيح رواية ومعنى فالنفي لا بد أن يرد على ثابت فينفيه فإنه إن ورد النفي على ما ليس بثابت وهو النفي أثبته لأن ورود النفي على النفي إثبات كما إن عدم العدم وجود فما نفى هذا النافي بقوله لا إله أخبرونا فقد استفهمناكم والمثبت أيضا هل حكمه حكم المنفي من أنه لا يثبت إلا المنفي أو حكمه حكم آخر يتميز به عن حكم النفي فأي شئ نفى هذا النافي وأي شئ أثبت هذا المثبت هذا كله لا بد من تحقيقه إن شاء الله فاعلم إن النفي ورد على أعيان من المخلوقات لما وصفت بالألوهية ونسبت إليها وقيل فيها آلهة ولهذا تعجب من تعجب من المشركين لما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله الواحد فأخبرنا الله عنه أنه قال أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب فسموها آلهة وهي ليست بهذه الصفة فورد حكم النفي على هذه النسبة الثابتة عندهم إليها لا في نفس الأمر لا على نفي الألوهية لأنه لو نفى النفي لكان عين الإثبات لما زعمه المشرك فكأنه يقول للمشرك هذا القول الذي قلت لا يصح أي ما هو الأمر كما زعمت ولا بد من إله وقد انتفت الكثرة من الآلهة بحرف الإيجاب الذي هو قوله إلا وأوجبوا هذه النسبة إلى المذكور بعد حرف الإيجاب وهو مسمى الله فقالوا لا إله إلا الله فلم تثبت نسبة الألوهة لله بإثبات المثبت لأنه سبحانه إله لنفسه فأثبت المثبت بقوله إلا الله هذا الأمر في نفس من لم يكن يعتقد انفراده سبحانه بهذا الوصف فإن ثبت الثبت محال وليس نفي المنفي بمحال فعلى الحقيقة ما عبد المشرك إلا الله لأنه لو لم يعتقد الألوهة في الشريك ما عبده وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ولذلك غار الحق لهذا الوصف فعاقبهم في الدنيا إذ لم يحترموه ورزقهم وسمع دعاءهم وأجابهم إذا سألوا إلههم في زعمهم لعلمه سبحانه أنهم ما لجئوا إلا لهذه المرتبة وإن أخطئوا في النسبة فشقوا في الآخرة شقاء الأبد حيث نبههم الرسول على توحيد من تجب له هذه النسبة فلم ينظروا ولا نصحوا نفوسهم ولهذا كانت دلالة كل رسول بحسب ما كان الغالب على أهل زمانه لتقوم عليهم الحجة فتكون لله الحجة البالغة فعمت هذه الكلمة مرتبة العدم والوجود فلم تبق مرتبة إلا وهي داخلة تحت النفي والإثبات فلها المشمول فمن قائل لا إله إلا الله بنفسه ومن قائل لا إله إلا الله بنعته ومن قائل لا إله إلا الله بربه ومن قائل لا إله إلا الله بنعت ربه ومن قائل لا إله إلا الله بحاله ومن قائل لا إله إلا الله بحكمه وهو المؤمن خاصة والخمسة الباقون ما لهم في الايمان مدخل أما من قال لا إله إلا الله بنفسه فهو الذي قالها من تجليه لنفسه فرأى استفادة وجوده من غيره فأعطته رؤية نفسه أن يقول لا إله إلا الله وهو التوحيد الذاتي الذي أشارت إليه طائفة من المحققين وأما القائل لا إله إلا الله بنعته فهو الذي وحده بعلمه فإن نعته العلم بتوحيد الله وأحديته فنطقه علمه والفرق بينه وبين الأول أن الأول عن شهود وهذا الثاني عن وجود والوجود قد يكون عن شهود وقد لا يكون وأما القائل لا إله إلا الله بربه فهو الذي رأى أن الحق عين الوجود لا أمر آخر وأن اتصاف الممكنات بالوجود هو ظهور الحق لنفسه بأعيانها وذلك أن استفادتها الوجود لها من الله إنما هو من حيث وجوده فإن الوجود المستفاد وهو الظاهر وهو عين الحكم به على هذه الأعيان فقال لا إله إلا الله بربه وأما القائل لا إله إلا الله بنعت ربه فإنه رأى أن الحق سبحانه من حيث أحديته وذاته ما هو مسمى الله والرب فإنه لا يقبل الإضافة ورأى أن مسمى الرب يقتضي المربوب ومسمى الله يطلب المألوه ورأى أنهم لما استفادوا منه الوجود ثبت له اسم الرب إذ كان المربوب يطلبه فالمربوب أصل في ثبوت الاسم الرب ووجود الحق أصل في وجود الممكنات ورأى أن لا إله إلا الله لا تطلبه عين الذات فقال لا إله إلا الله بنعت الرب الذي نعته به المربوب فالعلم بنا أصل في علمنا به يقول عليه السلام من عرف نفسه عرف ربه فوجودنا موقوف على وجوده والعلم به موقوف على العلم بنا فهو أصل في وجه ونحن أصل في وجه وأما القائل لا إله إلا الله بحاله فهو الذي يستند في أموره إلى غير الله فإذا لم يتفق له حصول ما طلب تحصيله ممن استند إليه وسدت الأبواب في وجهه من جميع الجهات رجع إلى الله اضطرارا فقال لا إله إلا الله بحاله وهؤلاء الأصناف كلهم لا يتصفون بالإيمان لأنه ما فيهم من قالها عن تقليد وأما من قال لا إله إلا الله بحكمه فهو الذي قالها لقول الشارع حيث
(٣٢٨)