أن يمتد عمره دائما ولولا أن الشرع عرف بانقضاء مدة هذه الدار وأن كل نفس ذائقة الموت وعرف بالإعادة وعرف بالدار الآخرة وعرف بأن الإقامة فيها في النشأة الآخرة إلى غير نهاية ما عرفنا ذلك وما خرجنا في كل حال من موت وإقامة وبعث أخروي ونشأة أخرى وجنان ونعيم ونار وعذاب بأكل محسوس وشرب محسوس ونكاح محسوس ولباس على المجرى الطبيعي فعلم الله أوسع وأتم والجمع بين العقل والحس والعقول والمحسوس أعظم في القدرة وأتم في الكمال الإلهي ليستمر له سبحانه في كل صنف من الممكنات حكم عالم الغيب والشهادة ويثبت حكم الاسم الظاهر والباطن في كل صنف فإن فهمت فقد وفقت وتعلم أن العلم الذي أطلع عليه النبيون والمؤمنون من قبل الحق أعم تعلقا من علم المنفردين بما تقتضيه العقول مجردة عن الفيض الإلهي فالأولى بكل ناصح نفسه الرجوع إلى ما قالته الأنبياء والرسل على الوجهين المعقول والمحسوس إذ لا دليل للعقل يحيل ما جاءت به الشرائع على تأويل مثبتي المحسوس من ذلك والمعقول فالإمكان باق حكمه والمرجح موجود فبما ذا يحيل وما أحسن قول القائل زعم المنجم والطبيب كلاهما * لا تبعث الأجسام قلت إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر * أو صح قولي فالخسار عليكما فقوله فالخسار عليكما يريد حيث لم يؤمنوا بظاهر ما جاءتهم به الرسل عليهم السلام وقوله فلست بخاسر فإني مؤمن أيضا بالأمور المعنوية المعقولة مثلكم وزدنا عليكم بأمر آخر لم تؤمنوا أنتم به ولم يرد القائل به أنه يشك بقوله إن صح وإنما ذلك على مذهبك أيها المخاطب وهذا يستعمل مثله كثيرا فتدبر كلامي هذا وألزم الايمان نفسك تربح وتسعد إن شاء الله تعالى وبعد أن تقرر هذا فاعلم إن الخلاف الذي وقع بين المؤمنين القائلين في ذلك بالحس والمحسوس إنما هو راجع إلى كيفية الإعادة فمنهم من ذهب إلى أن الإعادة تكون في الناس مثل ما بدأهم بنكاح وتناسل وابتداء خلق من طين ونفخ كما جرى من خلق آدم وحواء وسائر البنين من نكاح واجتماع إلى آخر مولود في العالم البشرى الإنساني وكل ذلك في زمان صغير ومدة قصيرة على حسب ما يقدره الحق تعالى هكذا زعم الشيخ أبو القاسم بن قسي في خلع النعلين له في قوله تعالى كما بدأكم تعودون فلا أدري هل هو مذهبه أو هل قصد شرح المتكلم به وهو خلف الله الذي جاء بذلك الكلام وكان من الأميين ومنهم من قال بالخبر المروي إن السماء تمطر مطرا شبه المني تمخض به الأرض فتنشأ منه النشأة الآخرة وأما قوله تعالى عندنا كما بدأكم تعودون هو قوله ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون وقوله كما بدأت أول خلق نعيده وعدا علينا وقد علمنا إن النشأة الأولى أوجدها الله تعالى على غير مثال سبق فهكذا النشأة الآخرة يوجدها الله تعالى على غير مثال سبق مع كونها محسوسة بلا شك وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفة نشأة أهل الجنة والنار ما يخالف ما هي عليه هذه النشأة الدنيا فعلمنا إن ذلك راجع إلى عدم مثال سابق ينشئها عليه وهو أعظم في القدرة وأما قوله وهو أهون عليه فلا يقدح فيما قلنا فإنه لو كانت النشأة الأولى عن اختراع فكر وتدبر ونظر إلى أن خلق أمرا فكانت إعادته إلى أن يخلق خلقا آخر مما يقارب ذلك ويزيد عليه أقرب للاختراع والاستحضار في حق من يستفيد الأمور بفكره والله منزه عن ذلك ومتعال عنه علوا كبيرا فهو الذي يفيد العالم ولا يستفيد ولا يتجدد له علم بشئ بل هو عالم بتفصيل ما لا يتناهى بعلم كلي فعلم التفصيل في عين الإجمال وهكذا ينبغي لجلاله أن يكون فينشئ الله النشأة الآخرة على عجب الذنب الذي يبقى من هذه النشأة الدنيا وهو أصلها فعليه تركب النشأة الآخرة فأما أبو حامد فرأى إن العجب المذكور في الخبر أنه النفس وعليها تنشأ النشأة الآخرة وقال غيره مثل أبي زيد الرقراقي هو جوهر فرد يبقى من هذه النشأة الدنيا لا يتغير عليه تنشأ النشأة الأخرى وكل ذلك محتمل ولا يقدح في شئ من الأصول بل كلها توجيهات معقولة يحتمل كل توجيه منها أن يكون مقصودا والذي وقع لي به الكشف الذي لا أشك فيه إن المراد بعجب الذنب هو ما تقوم عليه النشأة وهو لا يبلى أي لا يقبل البلى فإذا أنشأ الله النشأة الآخرة وسواها وعد لها وإن كانت هي الجواهر بأعيانها فإن الذوات الخارجة إلى الوجود من العدم لا تنعدم أعيانها بعد وجودها ولكن تختلف فيها الصور بالامتزاجات والامتزاجات التي تعطي هذه الصور أعراض تعرض لها بتقدير العزيز العليم فإذا تهيأت هذه الصور
(٣١٢)