الأعلى ينقص لبنة ذهب وفي الصف الذي يليه ينقص لبنة فضة فرأيت نفسي قد انطبعت في موضع تلك اللبنتين فكنت أنا عين تينك اللبنتين وكمل الحائط ولم يبق في الكعبة شئ ينقص وأنا واقف أنظر واعلم إني واقف واعلم إني عين تينك اللبنتين لا أشك في ذلك وأنهما عين ذاتي واستيقظت فشكرت الله تعالى وقلت متأولا إني في الاتباع في صنفي كرسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنبياء عليهم السلام وعسى أن أكون ممن ختم الله الولاية بي وما ذلك على الله بعزيز وذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ضربه المثل بالحائط وأنه كان تلك اللبنة فقصصت رؤياي على بعض علماء هذا الشأن بمكة من أهل توزر فأخبرني في تأويلها بما وقع لي وما سميت له الرائي من هو فالله أسأل أن يتمها علي بكرمه فإن الاختصاص الإلهي لا يقبل التحجير ولا الموازنة ولا العمل وإن ذلك من فضل الله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم واعلم أن جنة الأعمال مائة درجة لا غير كما إن النار مائة درك غير أن كل درجة تنقسم إلى منازل فلنذكر من منازلها ما يكون لهذه الأمة المحمدية وما تفضل به على سائر الأمم فإنها خير أمة أخرجت للناس بشهادة الحق في القرآن وتعريفه وهذه المائة درجة في كل جنة من الثمان الجنات وصورتها جنة في جنة وأعلاها جنة عدن وهي قصبة الجنة فيها الكثيب الذي يكون اجتماع الناس فيه لرؤية الحق تعالى وهي أعلى جنة في الجنات هي في الجنات بمنزلة دار الملك يدور عليها ثمانية أسوار بين كل سورين جنة فالتي تلي جنة عدن إنما هي جنة الفردوس وهي أوسط الجنات التي دون جنة عدن وأفضلها ثم جنة الخلد ثم جنة النعيم ثم جنة المأوى ثم دار السلام ثم دار المقامة وأما الوسيلة فهي أعلى درجة في جنة عدن وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصلت له بدعاء أمته فعل ذلك الحق سبحانه حكمة أخفاها فإنا بسببه نلنا السعادة من الله وبه كنا خير أمة أخرجت للناس وبه ختم الله بنا الأمم كما ختم به النبيين وهو صلى الله عليه وسلم بشر كما أمر أن يقول ولنا وجه خاص إلى الله عز وجل نناجيه منه ويناجينا وهكذا كل مخلوق له وجه خاص إلى ربه فأمرنا عن أمر الله أن ندعو له بالوسيلة حتى ينزل فيها وينالها بدعاء أمته فافهم هذا الفضل العظيم وهذا من باب الغيرة الإلهية إن فهمت فلقد كرم الله هذا النبي وهذه الأمة فتحوي درجات الجنة من الدرج فيها على خمسة آلاف درج ومائة درج وخمسة أدراج لا غير وقد تزيد على هذا العدد بلا شك ولكن ذكرنا منها ما اتفق عليه أهل الكشف مما يجري مجرى الأنواع من الأجناس والذي اختصت به هذه الأمة المحمدية على سائر الأمم من هذه الأدراج اثنا عشر درجا لا غير لا يشاركها فيها أحد من الأمم كما فضل صلى الله عليه وسلم غيره من الرسل في الآخرة بالوسيلة وفتح باب الشفاعة وفي الدنيا بست لم يعطها نبي قبله كما ورد في الحديث الصحيح من حديث مسلم بن الحجاج فذكر منها عموم رسالته وتحليل الغنائم والنصر بالرعب وجعلت له الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها له طهورا وأعطى مفاتيح خزائن الأرض ثم اعلم أن أهل الجنة أربعة أصناف الرسل وهم الأنبياء والأولياء وهم أتباع الرسل على بصيرة وبينة من ربهم والمؤمنون وهم المصدقون بهم عليهم السلام والعلماء بتوحيد الله إنه لا إله إلا هو من حيث الأدلة العقلية قال الله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم وهؤلاء هم الذين أريده بالعلماء وفيهم يقول الله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والطريق الموصلة إلى العلم بالله طريقان لا ثالث لهما ومن وحد الله من غير هذين الطريقين فهو مقلد في توحيده (الطريق الواحدة) طريق الكشف وهو علم ضروري يحصل عند الكشف يجده الإنسان في نفسه لا يقبل معه شبهة ولا يقدر على دفعه ولا يعرف لذلك دليلا يستند إليه سوى ما يجده في نفسه إلا أن بعضهم قال يعطي الدليل والمدلول في كشفه فإنه ما لا يعرف إلا بالدليل فلا بد أن يكشف له عن الدليل وكان يقول بهذه المقالة صاحبنا أبو عبد الله بن الكتاني بمدينة فاس سمعت ذلك منه وأخبر عن حاله وصدق وأخطأ في إن الأمر لا يكون إلا كذلك فإن غيره يجد ذلك في نفسه ذوقا من غير أن يكشف له عن الدليل وأما أن يحصل له عن تجل إلهي يحصل له وهم الرسل والأنبياء وبعض الأولياء (والطريق الثاني) طريق الفكر والاستدلال بالبرهان العقلي وهذا الطريق دون الطريق الأول فإن صاحب النظر في الدليل قد تدخل عليه الشبه القادحة في دليله فيتكلف الكشف عنها والبحث عن وجه الحق في الأمر المطلوب وما ثم طريق ثالث فهؤلاء هم أولو العلم الذين شهدوا بتوحيد
(٣١٩)