أجسادا لا يشك فيها والمكاشف يرى في يقظته ما يراه النائم في حال نومه والميت بعد موته كما يرى في الآخرة صور الأعمال توزن مع كونها أعراضا ويرى الموت كبشا أملح بذبح والموت نسبة مفارقة عن اجتماع فسبحان من يجهل فلا يعلم ويعلم فلا يجهل لا إله إلا هو العزيز الحكيم ومن الناس من يدرك هذا المتخيل بعين الحس ومن الناس من يدركه بعين الخيال وأعني في حال اليقظة وأما في النوم فبعين الخيال قطعا فإذا أراد الإنسان أن يفرق في حال يقظته حيث كان في الدنيا أو يوم القيامة فلينظر إلى المتخيل وليقيده بنظره فإن اختلفت عليه أكوان المنظور إليه لاختلافه في التكوينات وهو لا ينكر أنه ذلك بعينه ولا يقيده النظر عن اختلاف التكوينات فيه كالناظر إلى الحرباء في اختلاف الألوان عليها فذلك عين الخيال بلا شك ما هو عين الحس فأدركت الخيال بعين الخيال لا بعين الحس وقليل من يتفطن إلى هذا ممن يدعي كشف الأرواح النارية والنورية إذا تمثلت لعينه صورا مدركة لا يدري بما أدركها هل بعين الخيال أو بعين الحس وكلاهما أعني الإدراكين بحاسة العين فإنها تعطي الإدراك بعين الخيال وبعين الحس وهو علم دقيق أعني العلم بالفصل بين العينين وبين حاسة العين وعين الحس وإذا أدركت العين المتخيل ولم تغفل عنه ورأته لا تختلف عليه التكوينات ولا رأته في مواضع مختلفات معا في حال واحدة والذات واحدة لا يشك فيها ولا انتقلت ولا تحولت في أكوان مختلفة فتعلم أنها محسوسة لا متخيلة وأنه أدركها بعين الحس لا بعين الخيال ومن هنا يعرف إدراك الإنسان في المنام ربه تعالى وهو منزه عن الصورة والمثال وضبط الإدراك إياه وتقييده ومن هنا تعرف ما ورد في الخبر الصحيح من كون الباري يتحلى في أدنى صورة من التي رأوه فيها وفي تحوله في صورة يعرفونها وقد كانوا أنكروه وتعوذوا منه فيعلم بأي عين تراه فقد أعلمتك أن الخيال يدرك بنفسه نريد بعين الخيال أو يدرك بالبصر وما الصحيح في ذلك حتى نعتمد عليه ولنا في ذلك إذا تجلى حبيبي * بأي عين أراه بعينه لا بعيني * فما يراه سواه تنزيها لمقامه وتصديقا بكلامه فإنه القائل لا تدركه الأبصار ولم يخص دارا من دار بل أرسلها آية مطلقة ومسألة معينة محققة فلا يدركه سواه فبعينه سبحانه أراه في الخبر الصحيح كنت بصره الذي يبصر به فتيقظ أيها الغافل النائم عن مثل هذا وانتبه فلقد فتحت عليك بابا من المعارف لا تصل إليه الأفكار لكن تصل إلى قبوله العقول إما بالعناية الإلهية أو بجلاء القلوب بالذكر والتلاوة فيقبل العقل ما يعطيه التجلي ويعلم أن ذلك خارج عن قوة نفسه من حيث فكره وأن فكره لا يعطيه ذلك أبدا فيشكر الله تعالى الذي أنشأه نشأة يقبل بها مثل هذا وهي نشأة الرسل والأنبياء وأهل العناية من الأولياء وذلك ليعلم أن قبوله أشرف من فكره فتحقق يا أخي بعد هذا من يتجلى لك من خلف هذا الباب فهي مسألة عظيمة حارت فيها الألباب ثم إن الشارع وهو الصادق سمي هذا الباب الذي هو الحضرة البرزخية التي تنتقل إليها بعد الموت ونشهد نفوسنا فيها بالصور والناقور والصور هنا جمع صورة بالصاد فينفخ في الصور وينقر في الناقور وهو هو بعينه واختلفت عليه الأسماء لاختلاف الأحوال والصفات واختلفت الصفات فاختلفت الأسماء فصارت أسماؤه كهو يحار فيها من عادته يفلي الحقائق ولا يرمى منها بشئ فإنه لا يتحقق له أن النقر أصل في وجود اسم الناقور أو الناقور أصل في وجود اسم النقر كمسألة النحوي هل الفعل مشتق من المصدر أو المصدر مشتق من الفعل ثم فارق مسألة النحوي بشئ آخر حتى لا يشبه مسألة النحوي في الاشتقاق بقوله نفخ في الصور ولم يقل في المنفوخ فيه فهل كونه صورا أصل في وجود النفخ أو وجود نفخ أصل في وجود اسم الصور ولما ذكر الله تعديل صورة الإنسان قال ونفخت فيه وقال في عيسى عليه السلام قبل خلق صورته فنفخنا فيها من روحنا فظهرت الصورة فوقعت الحيرة ما هو الأصل هل الصورة في وجود النفخ أو النفخ في وجود الصورة فهذا من ذلك القبيل ولا سيما وجبريل عليه السلام في الوقت المذكور في حال التمثل بالبشر ومريم قد تخيلت أنه بشر فهل أدركته بالبصر الحسي أو بعين الخيال فتكون ممن أدرك الخيال بالخيال وإذا كان هذا فينفتح عليك ما هو أعظم وهو هل في قوة الخيال أن يعطي
(٣٠٥)