أخبار بلا شك عند كل عاقل عارف بالكلام فإن الله أخبرنا أن هذا حرام وهذا حلال ولذا قال تعالى في ذم من قال عن الله ما لم يقل ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب فإنه ألحق الحكم بالخبر لأنه خبر بلا شك إلا أنه ليس في قوة البشر في أكثر الأشياء إدراك قبح الأشياء ولا حسنها فإذا عرفنا الحق بها عرفناها ومنها ما يدرك قبحه عقلا في عرفنا مثل كالكذب وكفر المنعم وحسنه عقلا مثل الصدق وشكر المنعم وكون الإثم يتعلق ببعض أنواع الصدق والأجر يتعلق ببعض أنواع الكذب فذلك لله يعطي الأجر على ما شاءه من قبح وحسن ولا يدل ذلك على حسن الشئ ولا قبحه كالكذب في نجاة مؤمن من هلاك يؤجر عليه الإنسان وإن كان الكذب قبيحا في ذاته والصدق كالغيبة يأثم بها الإنسان وإن كان الصدق حسنا في ذاته فذاك أمر شرعي يعطي فضله من شاء ويمنعه من شاء كما قال يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم واعلم أن أشد الخلق عذابا في النار إبليس الذي سن الشرك وكل مخالفة وسبب ذلك أنه مخلوق من النار فعذابه بما خلق منه ألا ترى النفس به تكون حياة الجسم الحساس فإذا منع بالشنق أو الخنق خروج ذلك النفس انعكس راجعا إلى القلب فأحرقه من ساعته فهلك لحينه فبالنفس كانت حياته وبه كان هلاكه وهلاكه على الحقيقة بالنفس من كونه متنفسا لا من كونه ذا نفس ولا من كونه متنفسا فقط بل من كونه يجذب بالقوة الجاذبة نفس الهواء البارد إلى قلبه ويخرج بالقوة الدافعة النفس الحار المحرق آمن قلبه فسبب هذه الأحوال بها تكون حياته فإن الذي يرمى في النار هو متنفس ولكن لا يخلو من أحد الوجهين إما إنه لا يتنفس في النار فتكون حالته حالة المشنوق الذي يخنق بالحبل فيقتله نفسه وإما أن يتنفس فيجذب بالقوة الجاذبة هواء ناريا محرقا إذا وصل إلى قلبه أحرقه فلهذا قلنا في سبب الحياة هذه الأمور كلها فعذاب إبليس في جهنم بما فيها من الزمهرير فإنه يقابل النار الذي هو أصل نشأة إبليس فيكون عذابه بالزمهرير وبما هو نار مركبة فيه من ركن الهواء والماء والتراب فلا بد أن يتعذب بالنار على قدر مخصوص وعامة عذابه بما يناقض ما هو الغالب عليه في أصل خلقه والنار ناران نار حسية وهي المسلطة على إحساسه وحيوانيته وظاهر جسمه وباطنه ونار معنوية وهي التي تطلع على الأفئدة وبها يتعذب روحه المدبر لهيكله الذي أمر فعصى فمخالفته عذبته وهي عين جهله بمن استكبر عليه فلا عذاب على الأرواح أشد من الجهل فإنه غبن كله ولهذا سمي يوم التغابن يريد يوم عذاب النفوس فيقول يا ويلتا على ما فرطت وهو يوم الحسرة يقول يوم الكشف من حسرت عن الشئ إذا كشفت عنه فكأنه يقول يا ليتني حسرت عن هذا الأمر في الدنيا فأكون على بصيرة من أمري فيغتبن في نفسه والتغابن يدرك في ذلك اليوم الكل الطائع والعاصي فالطائع يقول يا ليتني بذلت جهدي ووفيت حق استطاعتي وتدبرت كلام ربي فعملت بمقتضاه مع كونه سعيدا والمخالف يقول يا ليتني لم أخالف ربي فيما أمرني به ونهاني فذلك يوم التغابن وسيأتي هذا في باب يوم القيامة إن شاء الله ولما أعلمناك بمرتبة النفس والتنفس إنما جئنا به لتعلم إن جهنم لما اختص بآلام أهلها صفة الغضب الإلهي واختص بوجودها التنزل الرحماني الإلهي وجاء في الخبر الصحيح نفس الرحمن مشعرا بصفة الغضب فكان التنفس ملحقا صفة الغضب بمن حل به ولهذا لما أتى نفس الرحمن من قبل اليمن حل الغضب الإلهي بالكفار بالقتل والسيف الذي وقعت بهم الأنصار فنفس الله بذلك عن دينه ونبيه صلى الله عليه وسلم فإن ذا الغضب إذا وجد على من يرسل غضبه نفس عنه ما يجده من ألم الغضب وأكمل الصورة في محمد صلى الله عليه وسلم فقام به على الكفار لأجل ردهم كلمة الله صفة الغضب فنفس الرحمن عنه بما أمره به من السيف ونفس عنه بأصحابه وأنصاره فوجد الراحة فإنه وجد حيث يرسل غضبه فافهم من هذا آلام أهل النار والصورة الحجابية المحمدية على الغضب الإلهي على أعداء الله وإن الآلام أرسلت على الأعداء فقامت بهم ونفس الله عن دينه وهو أمره وكلامه وهو عين علمه في خلقه وعلمه ذاته جل وتعالى وقد بينا لك أمر جهنم من حيث ما هي دار فلنبين إن شاء الله في الباب الذي يلي هذا الباب مراتب أهل النار ثم اعلم أن الله قد جعل فيها مائة درك في مقابلة درج الجنة ولكل درك قوم مخصوصون لهم من الغضب الإلهي الحال بهم آلام مخصوصة وأن المتولي عذابهم من الولاة الذين ذكرناهم في الباب قبل هذا من هذا الكتاب القائم والإقليد والحامد
(٣٠٠)