السلام في مقابلة كلام إبليس أنا خير منه فعرفنا الحق بمقام الاعتراف عند الله وما ينتجه من السعادة لنتخذه طريقا في مخالفتنا وعرفنا بدعوى إبليس ومقالته لنحذر من مثلها عند مخالفتنا وأهبطت حواء للتناسل وأهبط إبليس للاغواء فكان هبوط آدم وحواء هبوط كرامة وهبوط إبليس هبوط خذلان وعقوبة واكتساب أو زار فإن معصيته كانت لا تقتضي تأبيد الشقاء فإنه لم يشرك بل افتخر بما خلقه الله عليه وكتبه شقيا ودار الشقاء مخصوصة بأهل الشرك فأنزله الله إلى الأرض ليسن الشرك بالوسوسة في قلوب العباد فإذا أشركوا وتبرأ إبليس من المشرك ومن الشرك لم ينفعه تبريه منه فإنه هو الذي قال له أكفر كما أخبر الله تعالى فحار عليه وزر كل مشرك في العالم وإن كان موحدا فإنه من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها فإن الشخص الطبيعي كإبليس وبني آدم لا بد أن يتصور في نفسه مثال ما يريد أن يبرزه فما سن الشرك ووسوس به حتى تصوره في نفسه على الصورة التي إذا حصلت في نفس المشرك زالت عنه صورة التوحيد فإذا تصورها في نفسه بهذه الصورة فقد خرج التوحيد عن تصوره في نفسه ضرورة فإن الشريك متصور له في نفسه إلى جانب الحق الذي في نفسه متخيلا أعني من العلم بوجوده فما تركه في نفسه وحده فكان إبليس مشركا في نفسه بلا شك ولا ريب ولا بد أن يحفظ في نفسه بقاء صورة الشريك ليمد بها المشركين مع الأنفاس فإنه خائف منهم أن تزول عنهم صفة الشرك فيوحدوا الله فيسعدوا فلا يزال إبليس يحفظ صورة الشرك في نفسه ويراقب بها قلوب المشركين الكائنين في الوقت شرقا وغربا وجنوبا وشمالا ويرد بها الموحدين في المستقبل إلى الشرك ممن ليس بمشرك فلا ينفك إبليس دائما على الشرك فبذلك أشقاه الله لأنه لا يقدر أن يتصور التوحيد نفسا واحدا لملازمته هذه الصفة وحرصه على بقائها في نفس المشرك فإنها لو ذهبت من نفسه لم يجد المشرك من يحدثه في نفسه بالشرك فيذهب الشرك عنه ويكون إبليس لا يتصور الشريك لأنه قد زالت عن نفسه صورة الشريك فيكون لا يعلم أن ذلك المشرك قد زال عن إشراكه فدل إن الشريك يستصحب إبليس دائما فهو أول مشرك بالله وأول من سن الشرك وهو أشقى العالمين فلذلك يطمع في الرحمة من عين المنة ولهذا قلنا إن العقوبة في حق آدم إنما كانت في جمعه مع إبليس في الضمير حيث خاطبهم الحق بالهبوط بالكلام الذي يليق بجلاله ولكن لا بد أن يكون في الكلام الصفة التي يقتضيها لفظ الضمير فإن صورة اللفظ يطلب المعنى الخاص وهذه طريقة لم تجعل العلماء بالها من ذلك وإنما ذكرنا مسألة آدم تأنيسا لأهل الله تعالى إذا زالوا فحطوا عن مقامهم أن ذلك الانحطاط لا يقضي بشقائهم ولا بد بل يكون هبوطهم كهبوط آدم فإن الله لا يتحيز ولا يتقيد وإذا كان الأمر على هذا الحد وكان الله بهذه الصفة من عدم التقييد فيكون عين هبوط الولي عند الزلة وما قام به من الذلة والحياء والانكسار فيها عين الترقي إلى أعلى مما كان فيه لأن علوه بالمعرفة والحال وقد يزيد من العلم بالله ما لم يكن عنده ومن الحال وهو الذلة والانكسار ما لم يكن عليهما وهذا هو عين الترقي إلى مقام أشرف فإذا فقد الإنسان هذه الحالة في زلته ولم يندم ولا انكسر ولا ذل ولا خاف مقام ربه فليس من أهل هذه الطريقة بل ذلك جليس إبليس بل إبليس أحسن حالا منه لأنه يقول لمن يطيعه في الكفر إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين ونحن إنما نتكلم على زلات أهل الله إذا وقعت منهم قال تعالى ولم يصروا على ما فعلوا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الندم توبة وإنما الإنسان الولي إذا كان في المقام الذي كان والحال التي كان عليها ملتذا بها فلذته إنما كانت بحاله فإن الله يتعالى أن يلتذ به فلما زل وعرته حالة الذلة والانكسار زالت ضرورة الحالة التي كان يلتذ بوجودها وهي حالة الطاعة والموافقة فلما فقدها نخيل أنه انحط من عين الله وإنما تلك الحالة لما زالت عنه انحط عنها إذ كانت حالة تقتضي الرفعة وهو الآن في معراج الذلة والندم والافتقار والانكسار والاعتراف والأدب مع الله تعالى والحياء منه فهو يترقى في هذا المعراج فيجد هذا العبد في غاية هذا المعراج حالة أشرف من الحالة التي كان عليها فعند ذلك يعلم أنه ما انحط وأنه ترقي من حيث لا يشعر أنه في ترق وأخفى الله ذلك عن أوليائه لئلا يجترءوا عليه في المخالفات كما أخفى الاستدراج فيمن أشقاه الله فقال سنستدرجهم من حيث لا يعلمون فهم كما قال الله تعالى فيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا كذلك أخفى سبحانه تقريبه وعنايته فيمن
(٢٣٢)