الصور والصور على قسمين صور ظاهرة حسية وهي الأجرام وما يتصل بها حسا كالأشكال والألوان والأكوان وصور باطنة معنوية غير محسوسة وهي ما فيها من العلوم والمعارف والإرادات وبتينك الصفتين ظهر ما ظهر من الصور فالصفة العلامة أب فإنها المؤثرة والصفة العاملة أم فإنها المؤثر فيها وعنها ظهرت الصور التي ذكرناها فإن النجار المهندس إذا كان عالما ولا يحسن العمل فيلقي ما عنده على سمع من يحسن عمل النجارة وهذا الإلقاء نكاح فكلام المهندس أب وقبول السامع أم ثم يصير علم السامع أبا وجوارحه أما وإن شئت قلت فالمهندس أب والصانع الذي هو النجار أم من حيث ما هو مصغ لما يلقي إليه المهندس فإذا أثر فيه فقد أنزل ما في قوته في نفس النجار والصورة التي ظهرت للنجار في باطنه مما ألقى إليه المهندس وحصلت في وجود خياله قائمة ظاهرة له بمنزلة الولد الذي ولد له فهمه عن المهندس ثم عمل النجار فهو أب في الخشب الذي هو أم النجارة بالآلات التي يقع بها النكاح وإنزال الماء الذي هو أثر كل ضربة بالقدوم أو قطع بالمنشار وكل قطع وفصل وجمع في القطع المنجورة لا نشاء الصورة فظهر التابوت الذي هو بمنزلة الولد المولود الخارج للحس فهكذا فلتفهم الحقائق في ترتيب الآباء والأمهات والأبناء وكيفية الانتاج فكل أب ليس عنده صفة العمل فليس هو أب من ذلك الوجه حتى أنه لو كان عالما ومنع آلة التوصيل بالكلام أو الإشارة ليقع الإفهام وهو غير عامل لم يكن أبا من جميع الوجوه وكان أما لما حصل في نفسه من العلوم غير إن الجنين لم يخلق فيه الروح في بطن أمه أو مات في بطن أمه فأحالته طبيعة لام إلى أن تصرف ولم يظهر له عين فافهم وبعد أن عرفت الأب الثاني من الممكنات وأنه أم ثانية للقلم الأعلى كان مما ألقى إليها من الإلقاء الأقدس الروحاني الطبيعة والهباء فكان أول أم ولدت توأمين فأول ما ألقت الطبيعة ثم تبعتها بالهباء فالطبيعة والهباء أخ وأخت لأب واحد وأم واحدة فانكح الطبيعة الهباء فولد بينهما صورة الجسم الكلي وهو أول جسم ظهر فكان الطبيعة الأب فإن لها الأثر وكان الهباء الأم فإن فيها ظهر الأثر وكانت النتيجة الجسم ثم نزل التوالد في العلم إلى التراب على ترتيب مخصوص ذكرناه في كتابنا المسمى بعقلة المستوفز وفيه طول لا يسعه هذا الباب فإن الغرض الاختصار ونحن لا نقول بالمركز وإنما نقول بنهاية الأركان وأن الأعظم يجذب الأصغر ولهذا نرى البخار والنار يطلبان العلو والحجر وما أشبهه يطلب السفل فاختلفت الجهات وذلك على الاستقامة من الاثنين أعني طالب العلو والسفل فإن القائل بالمركز يقول إنه أمر معقول دقيق تطلبه الأركان ولولا التراب لدار به الماء ولولا الماء لدار به الهواء ولولا الهواء لدار به النار ولو كان كما قال لكنا نرى البخار يطلب السفل والحس يشهد بخلاف ذلك وقد بينا هذا الفصل في كتاب المركز لنا وهو جزء لطيف فإذا ذكرناه في بعض كتبنا إنما نسوقه على جهة مثال النقطة من الأكرة التي عنها يحدث المحيط لما لنا في ذلك من الغرض المتعلق بالمعارف الإلهية والنسب لكون الخطوط الخارجة من النقطة إلى المحيط على السواء لتساوي النسب حتى لا يقع هناك تفاضل فإنه لو وقع تفاضل أدى إلى نقص المفضول والأمر ليس كذلك وجعلناه محل العنصر الأعظم تنبيها على إن الأعظم يحكم على الأقل وذكرناه مشارا إليه في عقلة المستوفز ولما أدار الله هذه الأفلاك العلوية وأوجد الأيام بالفلك الأول وعينه بالفلك الثاني الذي فيه الكواكب الثابتة للأبصار ثم أوجد الأركان ترابا وماء وهواء ونارا ثم سوى السماوات سبعا طباقا وفتقها أي فصل كل سماء على حدة بعد ما كانت رتقا إذ كانت دخانا وفتق الأرض إلى سبع أرضين سماء أولي لأرض أولى وثانية لثانية إلى سبع وخلق الجواري الخنس خمسة في كل سماء كوكب وخلق القمر وخلق أيضا الشمس فحدث الليل والنهار بخلق الشمس في اليوم وقد كان اليوم موجودا فجعل النصف من هذا اليوم لأهل الأرض نهارا وهو من طلوع الشمس إلى غروبها وجعل النصف الآخر منه ليلا وهو من غروب الشمس إلى طلوعها واليوم عبارة عن المجموع ولهذا خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام فإن الأيام كانت موجودة بوجود حركة فلك البروج وهي الأيام المعروفة عندنا لا غير فما قال الله خلق العرش والكرسي وإنما قال خلق السماوات والأرض في ستة أيام فإذا دار فلك البروج دورة واحدة فذلك هو اليوم الذي خلق الله فيه السماوات والأرض ثم أحدث الله الليل والنهار عند وجود الشمس لا الأيام وأما ما يطرأ فيها من الزيادة والنقصان أعني في الليل والنهار لا في الساعات فإنها أربع وعشرون ساعة وذلك لحلول الشمس في منطقة البروج وهي حمائلية بالنسبة
(١٤٠)