بعلم الأولين والآخرين والتؤدة والرحمة والرفق وكان بالمؤمنين رحيما وما أظهر في وقت غلظة على أحد إلا عن أمر إلهي حين قيل له جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم فأمر به لما لم يقتض طبعه ذلك وإن كان بشرا يغضب لنفسه ويرضى لنفسه فقد قدم لذلك دواءنا فما يكون في ذلك الغضب رحمة من حيث لا يشعر بها في حال الغضب فكان يدل بغضبه مثل دالته برضاه وذلك لأسرار عرفناها ويعرفها أهل الله منا فصحت له السيادة على العالم من هذا الباب فإن غير أمته قيل فيهم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون فأضلهم الله على علم وتولى الله فينا حفظ ذكره فقال إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون لأنه سمع العبد وبصره ولسانه ويده واستحفظ كتابه غير هذه الأمة فحرفوه ومن الأمر المخصوص من وحي السماء الثالثة من هناك أيضا السيف الذي بعثه به والخلافة واختص بقتال الملائكة معه منها أيضا فإن ملائكة هذه السماء قاتلت معه يوم بدر ومن هذه السماء أيضا بعث من قوم ليس لهم همة إلا في قرى الأضياف ونحر الجزر والحروب الدائمة وسفك الدماء وبهذا يتمدحون ويمدحون قيل في بعضهم ضروب بنصل السيف سوق سمانها * إذا عدموا زادا فإنك عاقر (وقال الآخر منهم يمدح قومه) لا يبعدن قومي الذين همو * سم العداة وآفة الجزر النازلون بكل معترك * والطيبون معاقد الأزر فمدحهم بالكرم والشجاعة والعفة يقول عنترة بن شداد في حفظ الجار في أهله وأغض طرفي ما بدت لي جارتي * حتى يواري جارتي مأواها ولا خفاء عند كل أحد بفضل العرب على العجم بالكرم والحماسة والوفاء وإن كان في العجم كرماء وشجعان ولكن آحاد كما إن في العرب جبناء وبخلاء ولكن أحاد وإنما الكلام في الغالب لا في النادر وهذا ما لا ينكره أحد فهذا مما أوحى الله في هذه السماء فهذا كله من الأمر الذي يتنزل بين السماء والأرض لمن فهم ولو ذكرنا على التفصيل ما في كل سماء من الأمر الذي أوحى الله سبحانه فيها لأبرزنا من ذلك عجائب ربما كان ينكرها بعض من ينظر في ذلك العلم من طريق الرصد والتسيير من أهل التعاليم ويحار المنصف منهم فيه إذا سمعه ومن الوحي المأمور به في السماء الرابعة نسخه بشريعته جميع الشرائع وظهور دينه على جميع الأديان عند كل رسول ممن تقدمه وفي كل كتاب منزل فلم يبق لدين من الأديان حكم عند الله إلا ما قرر منه فبتقريره ثبت فهو من شرعه وعموم رسالته وإن كان بقي من ذلك حكم فليس هو من حكم الله إلا في أهل الجزية خاصة وإنما قلنا ليس هو حكم الله لأنه سماه باطلا فهو على من اتبعه لا له فهذا أعني بظهور دينه على جميع الأديان كما قال النابغة في مدحه ألم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب بأنك شمس والملوك كواكب * إذا طلعت لم يبد منهن كوكب وهذه منزلة محمد صلى الله عليه وسلم ومنزلة ما جاء به من الشرع من الأنبياء وشرائعهم سلام الله عليهم أجمعين فإن أنوار الكواكب اندرجت في نور الشمس فالنهار لنا والليل وحده لأهل الكتب إذا أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقد بسطنا في التنزلات الموصلية من أمر كل سماء ما إذا وقفت عليه عرفت بعض ما في ذلك ومن الوحي المأمور به في السماء الخامسة من هناك المختص بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه ما ورد قط عن نبي من الأنبياء أنه حبب إليه النساء إلا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كانوا قد رزقوا منهن كثيرا كسليمان ع وغيره ولكن كلامنا في كونه حبب إليه وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان نبيا وآدم بين الماء والطين كما قررناه وعلى الوجه الذي شرحناه فكان منقطعا إلى ربه لا ينظر معه إلى كون من الأكوان لشغله بالله عنه فإن النبي مشغول بالتلقي من الله ومراعاة الأدب فلا يتفرع إلى شئ دونه فحبب الله إليه النساء فأحبهن عناية من الله بهن فكان صلى الله عليه وسلم بحبهن بكون الله حببهن إليه خرج مسلم في صحيحه في أبواب الايمان أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب أن يكون نعلي حسنا وثوبي
(١٤٥)