أنبياء الأولياء وتستوي الجماعة كلها في الدعاء إلى الله على بصيرة كما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وهم أهل هذا المقام فهم في هذه الأمة مثل الأنبياء في بني إسرائيل على مرتبة تعبد هارون بشريعة موسى عليهما السلام مع كونه نبيا فإن الله قد شهد بنبوته وصرح بها في القرآن فمثل هؤلاء يحفظون الشريعة الصحيحة التي لا شك فيها على أنفسهم وعلى هذه الأمة ممن اتبعهم فهم أعلم الناس بالشرع غير أن الفقهاء لا يسلمون لهم ذلك وهؤلاء لا يلزمهم إقامة الدليل على صدقهم بل يجب عليهم الكتم لمقامهم ولا يردون على علماء الرسوم فيما ثبت عندهم مع علمهم بأن ذلك خطأ في نفس الأمر فحكمهم حكم المجتهد الذي ليس له أن يحكم في المسألة بغير ما أداه إليه اجتهاده وأعطاه دليله وليس له أن يخطئ المخالف له في حكمه فإن الشارع قد قرر ذلك الحكم في حقه فالأدب يقتضي له أن لا يخطئ ما قرره الشارع حكما ودليله وكشفه يحكم عليه باتباع حكم ما ظهر له وشاهده وقد ورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن علماء هذه الأمة أنبياء بني إسرائيل يعني المنزلة التي أشرنا إليها فإن أنبياء بني إسرائيل كانت تحفظ عليهم شرائع رسلهم وتقوم بها فيهم وكذلك علماء هذه الأمة وأئمتها يحفظون عليها أحكام رسولها صلى الله عليه وسلم كعلماء الصحابة ومن نزل عنهم من التابعين وأتباع التابعين كالثوري وابن عيينة وابن سيرين والحسن ومالك وابن أبي رباح وأبي حنيفة ومن نزل عنهم كالشافعي وابن حنبل ومن جرى مجرى هؤلاء إلى هلم جرا في حفظ الأحكام (وطائفة أخرى) من علماء هذه الأمة يحفظون عليها أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأسرار علومه كعلي وابن عباس وسلمان وأبي هريرة وحذيفة ومن التابعين كالحسن البصري ومالك بن دينار وبنان الحمال وأيوب السختياني ومن نزل عنهم بالزمان كشيبان الراعي وفرج الأسود المعمر والفضيل بن عياض وذي النون المصري ومن نزل عنهم كالجنيد والتستري ومن جرى مجرى هؤلاء من السادة في حفظ الحال النبوي والعلم اللدني والسر الإلهي فأسرار حفظة الحكم موقوفة في الكرسي عند القدمين إذ لم يكن لهم حال نبوي يعطي سرا إلهيا ولا علما لدنيا وأسرار حفاظ الحال النبوي والعلم اللدني من علماء حفاظ الحكم وغيرهم موقوفة عند العرش والعماء ولا موقوفة ومنها ما لها مقام ومنها ما لا مقام لها وذلك مقام لها تتميز به فإن ترك العلامة بين أصحاب العلامات علامة محققة غير محكوم عليها بتقييد وهي أسنى العلامات ولا يكون ذلك إلا للمتمكن الكامل في الورث المحمدي وأما أقطاب الأمم المكملين في غير هذه الأمة ممن تقدمنا بالزمان فجماعة ذكرت لي أسماؤهم باللسان العربي لما أشهدتهم ورأيتهم في حضرة برزخية وأنا بمدينة قرطبة في مشهد أقدس فكان منهم المفرق ومداوي الكلوم والبكاء والمرتفع والشفاء والماحق والعاقب والمنحور وشحر الماء وعنصر الحياة والشريد والراجع والصانع والطيار والسالم والخليفة والمقسوم والحي والرامي والواسع والبحر والملصق والهادي والمصلح والباقي فهؤلاء المكملون الذين سموا لنا من آدم ع إلى زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأما القطب الواحد فهو روح محمد صلى الله عليه وسلم وهو الممد لجميع الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين والأقطاب من حين النش ء الإنساني إلى يوم القيامة قيل له صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا فقال صلى الله عليه وسلم وآدم بين الماء والطين وكان اسمه مداوي الكلوم فإنه بجراحات الهوى خبير والرأي والدنيا والشيطان والنفس بكل لسان نبوي أو رسالي أو لسان الولاية وكان له نظر إلى موضع ولادة جسمه بمكة وإلى الشام ثم صرف الآن نظره إلى أرض كثيرة الحر واليبس لا يصل إليها أحد من بني آدم بجسده إلا أنه قد رآها بعض الناس من مكة في مكانه من غير نقلة زويت له الأرض فرآها وقد أخذنا نحن عنه علوما جمة بما خد مختلفة ولهذا الروح المحمدي مظاهر في العالم أكمل مظهره في قطب الزمان وفي الأفراد وفي ختم الولاية المحمدي وختم الولاية العامة الذي هو عيسى ع وهو المعبر عنه بمسكنه وسأذكر فيما بعد هذا الباب إن شاء الله ما له من كونه مداوي الكلوم من الأسرار وما انتشر عنه من العلوم ثم ظهر هذا السر بعد ظهور حال مداوي الكلوم في شخص آخر اسمه المستسلم للقضاء والقدر ثم انتقل الحكم منه إلى مظهر الحق ثم انتقل من مظهر الحق إلى الهائج ثم انتقل من الهائج إلى شخص يسمى واضع الحكم وأظنه لقمان والله أعلم فإنه كان في زمان داود وما أنا منه
(١٥١)