الإنسانية كما أخذ الميثاق على بني آدم قبل إيجاده أجسامهم وألحقنا الله تعالى بأنبيائه بأن جعلنا شهداء على أممهم معهم حين يبعث من كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وهم الرسل فكانت الأنبياء في العالم نوابه صلى الله عليه وسلم من آدم إلى آخر الرسل عليهم السلام وقد أبان صلى الله عليه وسلم عن هذا المقام بأمور منها قوله صلى الله عليه وسلم والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني وقوله في نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان إنه يؤمنا أي يحكم فينا بسنة نبينا ع ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم قد بعث في زمان آدم لكانت الأنبياء وجميع الناس تحت حكم شريعته إلى يوم القيامة حسا ولهذا لم ببعث عامة إلا هو خاصة فهو الملك والسيد وكل رسول سواه فبعث إلى قوم مخصوصين فلم تعم رسالة أحد من الرسل سوى رسالته صلى الله عليه وسلم فمن زمان آدم ع إلى زمان بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ملكه وتقدمه في الآخرة على جميع الرسل وسيادته فمنصوص على ذلك في الصحيح عنه فروحانيته صلى الله عليه وسلم موجودة وروحانية كل نبي ورسول فكان الإمداد يأتي إليهم من تلك الروح الطاهرة بما يظهرون به من الشرائع والعلوم في زمان وجودهم رسلا وتشريعه الشرائع كعلي ومعاذ وغيرهما في زمان وجودهم ووجوده صلى الله عليه وسلم وكإلياس وخضر عليهما السلام وعيسى ع في زمان ظهوره في آخر الزمان حاكما بشرع محمد صلى الله عليه وسلم في أمته المقرر في الظاهر لكن لما لم يتقدم في عالم الحس وجود عينه صلى الله عليه وسلم أولا نسب كل شرع إلى من بعث به وهو في الحقيقة شرع محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان مفقود العين من حيث لا يعلم ذلك كما هو مفقود العين الآن وفي زمان نزول عيسى ع والحكم بشرعه وأما نسخ الله بشرعه جميع الشرائع فلا يخرج هذا النسخ ما تقدم من الشرائع أن يكون من شرعه فإن الله قد أشهدنا في شرعه الظاهر المنزل به صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة النسخ مع إجماعنا واتفاقنا على إن ذلك المنسوخ شرعه الذي بعث به إلينا فنسخ بالمتأخر المتقدم فكان تنبيها لنا هذا النسخ الموجود في القرآن والسنة على إن نسخه لجميع الشرائع المتقدمة لا يخرجها عن كونها شرعا له وكان نزول عيسى ع في آخر الزمان حاكما بغير شرعه أو بعضه الذي كان عليه في زمان رسالته وحكمه بالشرع المحمدي المقرر اليوم دليلا على أنه لا حكم لأحد اليوم من الأنبياء عليهم السلام مع وجود ما قرره صلى الله عليه وسلم في شرعه ويدخل في ذلك ما هم عليه أهل الذمة من أهل الكتاب ما داموا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون فإن حكم الشرع على الأحوال فخرج من هذا المجموع كله أنه ملك وسيد على جميع بني آدم وأن جميع من تقدمه كان ملكا له وتبعا والحاكمون فيه نواب عنه فإن قيل فقوله صلى الله عليه وسلم لا تفضلوني فالجواب نحن ما فضلناه بل الله فضله فإن ذلك ليس لنا وإن كان قد ورد أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده لما ذكر الأنبياء عليهم السلام فهو صحيح فإنه قال فبهداهم وهداهم من الله وهو شرعه صلى الله عليه وسلم أي ألزم شرعك الذي ظهر به نوابك من إقامة الدين ولا تتفرقوا فيه فلم يقل فبهم اقتده وفي قوله ولا تتفرقوا فيه تنبيه على أحدية الشرائع وقوله اتبع ملة إبراهيم وهو الدين فهو مأمور باتباع الدين فإن الدين إنما هو من الله لا من غيره وانظروا في قوله ع لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني فأضاف الاتباع إليه وأمر هو صلى الله عليه وسلم باتباع الدين وهدى الأنبياء لا بهم فإن الإمام الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوابه حكم الإله فإذا غاب حكم النواب بمراسمه فهو الحاكم غيبا وشهادة وما أوردنا هذه الأخبار والتنبيهات إلا تأنيسا لمن لا يعرف هذه المرتبة من كشفه ولا أطلعه الله على ذلك من نفسه وأما أهل الله فهم على ما نحن عليه فيه قد قامت لهم شواهد التحقيق على ذلك من عند ربهم في نفوسهم وإن كان يتصور على جميع ما أوردناه في ذلك احتمالات كثيرة فذلك راجع إلى ما تعطيه الألفاظ من القوة في أصل وضعها لا ما هو عليه الأمر في نفسه عند أهل الأذواق الذين يأخذون العلم عن الله كالخضر وأمثاله فإن الإنسان ينطق بالكلام يريد به معنى واحدا مثلا من المعاني التي يتضمنها ذلك الكلام فإذا فسر بغير مقصود المتكلم من تلك المعاني فإنما فسر المفسر بعض ما تعطيه قوة اللفظ وإن كان لم يصب مقصود المتكلم ألا ترى الصحابة كيف شق عليهم قوله تعالى الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم فأتى به نكرة فقالوا وأينا لم يلبس إيمانه بظلم فهؤلاء الصحابة وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ما عرفوا
(١٣٥)