النبوة قبل وجود الأنبياء الذين هم نوابه في هذه الدنيا كما قررناه فيما تقدم من أبواب هذا الكتاب فكانت استدارته انتهاء دورته بالاسم الباطن وابتداء دورة أخرى بالاسم الظاهر فقال استدار كهيئته يوم خلقه الله في نسبة الحكم لنا ظاهرا كما كان في الدورة الأولى منسوبا إلينا باطنا أي إلى محمد وفي الظاهر منسوبا إلى من نسب إليه من شرع إبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء والرسل وفي الأنبياء من الزمان أربعة حرم هود وصالح وشعيب سلام الله عليهم ومحمد صلى الله عليه وسلم وعينها من الزمان ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر ولما كانت العرب تنسأ في الشهور فترد المحرم منها حلالا والحلال منها حراما وجاء محمد صلى الله عليه وسلم فرد الزمان إلى أصله الذي حكم الله به عند خلقه فعين الحرم من الشهور على حد ما خلقها الله عليه فلهذا قال في اللسان الظاهر إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه الله كذلك استدار الزمان فأظهر محمدا صلى الله عليه وسلم كما ذكرناه جسما وروحا بالاسم الظاهر حسا فنسخ من شرعه المتقدم ما أراد الله أن ينسخ منه وأبقى ما أراد الله أن يبقى منه وذلك من الأحكام خاصة لا من الأصول ولما كان ظهوره بالميزان وهو العدل في الكون وهو معتدل لأن طبعه الحرارة والرطوبة كان من حكم الآخرة فإن حركة الميزان متصلة بالآخرة إلى دخول الجنة والنار ولهذا كان العلم في هذه الأمة أكثر مما كان في الأوائل وأعطى محمد صلى الله عليه وسلم علم الأولين والآخرين لأن حقيقة الميزان تعطي ذلك وكان الكشف أسرع في هذه الأمة مما كان في غيرها لغلبة البرد واليبس على سائر الأمم قبلنا وإن كانوا أذكياء وعلماء فآحاد منهم معينون بخلاف ما هم الناس اليوم عليه ألا ترى هذه الأمة قد ترجمت جميع علوم الأمم ولو لم يكن المترجم عالما بالمعنى الذي دل عليه لفظ المتكلم به لما صح أن يكون هذا مترجما ولا كان ينطلق على ذلك اسم الترجمة فقد علمت هذه الأمة علم من تقدم واختصت بعلوم لم تكن للمتقدمين ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله فعلمت علم الأولين وهم الذين تقدموه ثم قال والآخرين وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين وهو ما تعلمه أمته من بعده إلى يوم القيامة فقد أخبر أن عندنا علوما لم تكن قبل فهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم لنا وهو الصادق بذلك فقد ثبتت له صلى الله عليه وسلم السيادة في العلم في الدنيا وثبتت له أيضا السيادة في الحكم حيث قال لو كان موسى حيا ما وسعه إلا إن يتبعني ويبين ذلك عند نزول عيسى ع وحكمه فينا بالقرآن فصحت له السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى ثم أثبت السيادة له على سائر الناس يوم القيامة بفتحه باب الشفاعة ولا يكون ذلك لنبي يوم القيامة إلا له صلى الله عليه وسلم فقد شفع صلى الله عليه وسلم في الرسل والأنبياء أن تشفع نعم وفي الملائكة فاذن الله تعالى عند شفاعته في ذلك لجميع من له شفاعة من ملك ورسول ونبي ومؤمن أن يشفع فهو صلى الله عليه وسلم أول شافع بإذن الله وارحم الراحمين آخر شافع يوم القيامة فيشفع الرحيم عند المنتقم أن يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط فيخرجهم المنعم المتفضل وأي شرف أعظم من دائرة تدار يكون آخرها أرحم الراحمين وآخر الدائرة متصل بأولها فأي شرف أعظم من شرف محمد صلى الله عليه وسلم حيث كان ابتداء هذه الدائرة حيث اتصل بها آخرها لكما لها فبه سبحانه ابتدأت الأشياء وبه كملت وما أعظم شرف المؤمن حيث تلت شفاعته بشفاعة أرحم الراحمين فالمؤمن بين الله وبين الأنبياء فإن العلم في حق المخلوق وإن كان له الشرف التام الذي لا تجهل مكانته ولكن لا يعطي السعادة في القرب الإلهي إلا بالإيمان فنور الايمان في المخلوق أشرف من نور العلم الذي لا إيمان معه فإذا كان الايمان يحصل عنه العلم فنور ذلك العلم المولد من نور الايمان أعلى وبه يمتاز على المؤمن الذي ليس بعالم فيرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين درجات على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم ويزيد العلم بالله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه أنتم أعلم بمصالح دنياكم فلا فلك أوسع من فلك محمد صلى الله عليه وسلم فإن له الإحاطة وهي لمن خصه الله بها من أمته بحكم التبعية فلنا الإحاطة بسائر الأمم ولذلك كنا شهداء على الناس فأعطاه الله من وحي أمر السماوات ما لم يعط غيره في طالع مولده فمن الأمر المخصوص بالسماء الأولى من هناك لم يبدل حرف من القرآن ولا كلمة ولو ألقى الشيطان في تلاوته ما ليس منها بنقص أو زيادة لنسخ الله ذلك وهذا عصمة ومن ذلك الثبات ما نسخت شريعته بغيرها بل ثبتت محفوظة واستقرت بكل عين ملحوظة ولذلك تستشهد بها كل طائفة ومن الأمر المخصوص بالسماء الثانية من هناك أيضا خص
(١٤٤)