فما كثف منه كان هواء وما كثف من الهواء كان ماء وما كثف من الماء كان ترابا وقالت طائفة ركن الهواء هو الأصل فما سخف منه كان نارا وما كثف منه كان ماء وقالت طائفة ركن الماء هو الأصل وقالت طائفة ركن التراب هو الأصل وقالت طائفة الأصل أمر خامس ليس واحدا من هذه الأربعة وهذا هو الذي جعلناه بمنزلة ملك اليمين فعمت شريعتنا في النكاح أتم المذاهب ليندرج فيها جميع المذاهب وهذا المذهب بالأصل الخامس هو الصحيح عندنا وهو المسمى بالطبيعة فإن الطبيعة معقول واحد عنها ظهر ركن النار وجميع الأركان فيقال ركن النار من الطبيعة ما هو عينها ولا يصح أن يكون المجموع الذي هو عين الأربعة فإن بعض الأركان منافر للآخر بالكلية وبعضها منافر لغيره بأمر واحد كالنار والماء متنافران من جميع الوجوه والهواء والتراب كذلك ولهذا رتبها الله في الوجود ترتيبا حكيما لأجل الاستحالات فلو جعل المنافر مجاورا لمنافره لما استحال إليه وتعطلت الحكمة فجعل الهواء يلي ركن النار والجامع بينهما الحرارة وجعل الماء يلي الهواء والجامع بينهما الرطوبة وجعل التراب يلي الماء والجامع بينهما البرودة فالمحيل أب والمستحيل أم والاستحالة نكاح والذي استحال إليها ابن فالمتكلم أب والسامع أم والتكلم نكاح والموجود من ذلك في فهم السامع ابن فكل أب علوي فإنه مؤثر وكل أم سفلية فإنها مؤثر فيها وكل نسبة بينهما معينة نكاح وتوجه وكل نتيجة ابن ومن هنا يفهم قول المتكلم لمن يريد قيامه قم فيقوم المراد بالقيام عن أثر لفظة قم فإن لم يقم السامع وهو أم بلا شك فهو عقيم وإذا كان عقيما فليس بأم في تلك الحالة وهذا الباب إنما يختص بالأمهات فأول الآباء العلوية معلوم وأول الأمهات السفلية شيئية المعدوم الممكن وأول نكاح القصد بالأمر وأول ابن وجود عين تلك الشيئية التي ذكرنا فهذا أب ساري الأبوة وتلك أم سارية الأمومة وذلك النكاح سار في كل شئ والنتيجة دائمة لا تنقطع في حق كل ظاهر العين فهذا يسمى عندنا النكاح الساري في جميع الذراري يقول الله تعالى في الدليل على ما قلناه إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ولنا فيه كتاب شريف منيع الحمى البصير فيه أعمى فكيف من حل به العمي فلو رأيت تفصيل هذا المقام وتوجهات هذه الأسماء الإلهية الأعلام لرأيت أمرا عظيما وشاهدت مقاما هائلا جسيما فلقد تنزه العارفون بالله وبصنعه الجميل بأولى وبعد أن أشرت إلى فهمك الثاقب ونظرك الصائب بالأب الأول الساري وهو الاسم الجامع الأعظم الذي تتبعه جميع الأسماء في رفعه ونصبه وخفضه الساري حكمه والأم الأولية الآخرية السارية في نسبة الأنوثة في جميع الأبناء فلنشرع في الآباء الذين هم أسباب موضوعة بالوضع الإلهي والأمهات واتصالهما بالنكاح المعنوي والحسي المشروع حتى يكون الأبناء أبناء حلال إلى أن أصل إلى التناسل الإنساني وهو آخر نوع تكون وأول مبدع بالقصد تعين فنقول إن العقل الأول الذي هو أول مبدع خلق وهو القلم الأعلى ولم يكن ثم محدث سواه وكان مؤثرا فيه بما أحدث الله فيه من انبعاث اللوح المحفوظ عنه كانبعاث حواء من آدم في عالم الأجرام ليكون ذلك اللوح موضعا ومحلا لما يكتب فيه هذا القلم الأعلى الإلهي وتخطيط الحروف الموضوعة للدلالة على ما جعلها الحق تعالى أدلة عليه فكان اللوح المحفوظ أول موجود انبعاثي وقد ورد في الشرع أن أول ما خلق الله القلم ثم خلق اللوح وقال للقلم اكتب قال القلم وما أكتب قال الله له اكتب وأنا أملي عليك فخط القلم في اللوح ما يملي عليه الحق وهو علمه في خلقه الذي يخلق إلى يوم القيامة فكان بين القلم واللوح نكاح معنوي معقول وأثر حسي مشهود ومن هنا كان العمل بالحروف المرقومة عندنا وكان ما أودع في اللوح من الأثر مثل الماء الدافق الحاصل في رحم الأنثى وما ظهر من تلك الكتابة من المعاني المودعة في تلك الحروف الجرمية بمنزلة أرواح الأولاد المودعة في أجسامهم فافهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وجعل الحق في هذا اللوح العاقل عن الله ما أوحى به إليه المسبح بحمده الذي لا يفقه تسبيحه إلا من أعلمه الله به وفتح سمعه لما يورده كما فتح سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حضر من أصحابه لإدراك تسبيح الحصى في كفه الطاهرة الطيبة صلى الله عليه وسلم وإنما قلنا فتح سمعه إذ كان الحصى ما زال مذ خلقه الله مسبحا بحمد موجدة فكان خرق العادة في الإدراك السمعي لا فيه ثم أوجد فيه صفتين صفة علم وصفة عمل فبصفة العمل تظهر صور العالم عنه كما تظهر صورة التابوت للعين عند عمل النجار فبها يعطي
(١٣٩)