مقصود الحق من الآية والذي نظروه سائغ في الكلمة غير منكور فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ليس الأمر كما ظننتم وإنما أراد الله بالظلم هنا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم فقوة الكلمة تعم كل ظلم وقصد المتكلم إنما هو ظلم معين مخصوص فكذلك ما أوردناه من الأخبار في أن بني آدم سوقة وملك لهذا السيد محمد صلى الله عليه وسلم هو المقصود من طريق الكشف كما كان الظلم هناك المقصود من المتكلم به الشرك خاصة ولذلك تتقوى التفاسير في الكلام بقرائن الأحوال فإنها المميزة للمعاني المقصودة للمتكلم فكيف من عنده الكشف الإلهي والعلم اللدني الرباني فينبغي للعاقل المنصف أن يسلم لهؤلاء القوم ما يخبرون به فإن صدقوا في ذلك فذلك الظن بهم وأنصفوا بالتسليم حيث لم يرد المسلم ما هو حق في نفس الأمر وإن لم يصدقوا لم يضر المسلم بل انتفعوا حيث تركوا الخوض فيما ليس لهم به قطع وردوا علم ذلك إلى الله تعالى فوفوا الربوبية حقها إذ كان ما قاله أولياء الله ممكنا فالتسليم أولى بكل وجه وهذا الذي نزعنا إليه من دورة الملك قال به غيرنا كالإمام أبي القاسم بن قسي في خلعه وهو روايتنا عن ابنه عنه وهو من سادات القوم وكان شيخه الذي كشف له على يديه من أكبر شيوخ المغرب يقال له ابن خليل من أهل لبلة فنحن ما نعتمد في كل ما نذكره إلا على ما يلقي الله عندنا من ذلك لا على ما تحتمله الألفاظ من الوجوه وقد تكون جميع المحتملات في بعض الكلام مقصودة للمتكلم فنقول بها كلها فدورة الملك عبارة عما مهد الله من آدم إلى زمان محمد صلى الله عليه وسلم من الترتيبات في هذه النشأة الإنسانية بما ظهر من الأحكام الإلهية فيها فكانوا خلفاء الخليفة السيد فأول موجود ظهر من الأجسام الإنسانية كان آدم ع وهو الأب الأول من هذا الجنس وسائر الآباء من الأجناس يأتي بعد هذا الباب إن شاء الله وهو أول من ظهر بحكم الله من هذا الجنس ولكن كما قررناه ثم فصل عنه أبا ثانيا لنا سماه أما فصح لهذا الأب الأول الدرجة عليها لكونه أصلا لها فختم النواب من دورة الملك بمثل ما به بدأ لينبه على إن الفضل بيد الله وأن ذلك الأمر ما اقتضاه الأب الأول لذاته فأوجد عيسى عن مريم فتنزلت مريم منزلة آدم وتنزل عيسى منزلة حواء فكما وجدت أنثى من ذكر وجد ذكر من أنثى فختم بمثل ما به بدأ في إيجاد ابن من غير أب كما كانت حواء من غير أم فكان عيسى وحواء إخوان وكان آدم ومريم أبوان لهما إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم فأوقع التشبيه في عدم الأبوة الذكرانية من أجل أنه نصبه دليلا لعيسى في براءة أمه ولم يوقع التشبيه بحواء وإن كان الأمر عليه لكون المرأة محل التهمة لوجود الحمل إذ كانت محلا موضوعا للولادة وليس الرجل بمحل لذلك والمقصود من الأدلة ارتفاع الشكوك وفي حواء من آدم لا يقع الالتباس لكون آدم ليس محلا لما صدر عنه من الولادة وهذا لا يكون دليلا إلا عند من ثبت عنده وجود آدم وتكوينه والتكوين منه وكما لا يعهد ابن من غير أب كذلك لا يعهد من غير أم فالمثل من طريق المعنى أن عيسى كحواء ولكن لما كان الدخل بتطرق في ذلك من المنكر لكون الأنثى كما قلنا محلا لما صدر عنها ولذلك كانت النهمة كان التشبيه بآدم لحصول براءة مريم مما يمكن في العادة فظهور عيسى بن مريم من غير أب كظهور حواء من آدم من غير أم وهو الأب الثاني ولما انفصلت حواء من آدم عمر موضعها منه بالشهوة النكاحية إليها التي وقع بها الغشيان لظهور التناسل والتوالد وكان الهواء الخارج الذي عمر موضعه جسم حواء عند خروجها إذ لا خلاء في العالم فطلب ذلك الجزء الهوائي موضعه الذي أخذته حواء بشخصيتها فحرك آدم لطلب موضعه فوجده معمورا بحواء فوقع عليها فلما تغشاها حملت منه فجاءت بالذرية فبقي ذلك سنة جارية في الحيوان من بني آدم وغيره بالطبع لكن الإنسان هو الكلمة الجامعة ونسخة العالم فكل ما في العالم جزء منه وليس الإنسان بجزء لواحد من العالم وكان سبب هذا الفصل وإيجاد هذا المنفصل الأول طلب الأنس بالمشاكل في الجنس الذي هو النوع الأخص وليكون في عالم الأجسام بهذا الالتحام الطبيعي الإنساني الكامل بالصورة الذي أراده الله ما يشبه القلم الأعلى واللوح المحفوظ الذي يعبر عنه بالعقل الأول والنفس الكل وإذا قلت القلم الأعلى فتفطن للإشارة التي تتضمن الكاتب وقصد الكتابة فيقوم معك معنى قول الشارع إن الله خلق آدم على صورته ثم عبارة الشارع في الكتاب العزيز في إيجاد الأشياء عن كن فأتى بحرفين اللذين هما بمنزلة المقدمتين وما يكون عند كن بالنتيجة وهذان الحرفان هما الظاهران والثالث الذي هو
(١٣٦)