بعضا من غير شحناء ولا عداوة ولا فساد بنية وإذا سافروا في البحر وغرقوا لا يعدو عليهم الماء كما يعدو علينا بل يمشون فيه كمشي دوابه حتى يلحقوا بالساحل وتحل بتلك الأرض زلازل لو حلت بنا لانقلبت الأرض وهلك ما كان عليها وقال لقد كنت يوما مع جماعة منهم في حديث وجاءت زلزلة شديدة بحيث إني رأيت الأبنية تتحرك كلها تحركا لا يقدر البصر يتمكن من رؤيتها السرعة الحركة مرورا وكرورا وما عندنا خبر وكانا على الأرض قطعة منها إلى أن فرغت الزلزلة فلما فرغت وسكنت الأرض أخذت الجماعة بيدي وعزتني في ابنة لي اسمها فاطمة فقلت للجماعة إني تركتها في عافية عند والدتها قالوا صدقت ولكن هذه الأرض ما تزلزل بنا وعندنا أحد إلا مات ذلك الشخص أو مات له أحد وإن هذه الزلزلة لموت ابنتك فانظر في أمرها فقعدت معهم ما شاء الله وصاحبي ينتظرني فلما أردت فراقهم مشوا معي إلى فم السكة وأخذوا خلعتهم وجئت إلى بيتي فلقيت صاحبي فقال لي إن فاطمة تنازع فدخلت عليها فقضت وكنت بمكة مجاورا فجهزناها ودفناها بالمعلى فهذا من أعجب ما أخبرت عن تلك الأرض ورأيت بها كعبة يطوف بها أهلها غير مكسوة وتكون أكبر من البيت الذي بمكة ذات أركان أربعة تكلمهم إذا طافوا بها وتحييهم وتفيدهم علوما لم تكن عندهم ورأيت في هذه الأرض بحرا من تراب يجري مثل ما يجري الماء ورأيت حجارة صغارا وكبارا يجري بعضها إلى بعض كما يجري الحديد إلى المغناطيس فتتألف هذه الحجارة ولا تنفصل بعضها من بعض بطبعها إلا إن فصلها فاصل مثل ما يفصل الحديد عن المغناطيس ليس في قوته أن يمتنع فإذا ترك وطبعه جرت بعضها إلى بعض على مقدار من المساحة مخصوص فتضم هذه الحجارة بعضها إلى بعض فينشأ منها صورة سفينة ورأيت منها مركبا صغيرا وشينيين فإذا التأمت السفينة من تلك الحجارة رموا بها في بحر التراب وركبوا فيها وسافروا حيث يشتهون من البلاد غير إن قاع السفينة من رمل أو تراب يلصق بعضه ببعض لصوق الخاصية فمما رأيت فيما رأيت أعجب من جريان هذه السفن في ذلك البحر وصورة الإنشاء في المراكب سواء غير أن لهم في جناحي السفينة مما يلي مؤخرها أسطوانتين عظيمتين تعلو المركب أكثر من القامة وأرض المركب من جهة مؤخره ما بين الأسطوانتين مفتوح متساو مع البحر ولا يدخل فيه من رمل ذلك البحر شئ أصلا بالخاصية وهذا شكله وفي هذه الأرض مدائن تسمى مدائن النور لا يدخلها من العارفين إلا كل مصطفى مختار وهي ثلاث عشرة مدينة وهي على سطح واحد وبنيانها عجيب وذلك أنهم عمدوا إلى موضع في هذه الأرض فبنوا فيه مدينة صغيرة لها أسوار عظيمة يسير الراكب فيها إذا أراد أن يدور بها مسيرة ثلاثة أعوام فلما أقاموها جعلوها خزانة لمنافعهم ومصالحهم وعددهم وأقاموا على بعد من جوانبها أبراجا تعلو على أبراج المدينة بما دار بها ومدوا البناء بالحجارة حتى صار للمدينة كالسقف للبيت وجعلوا ذلك السقف أرضا بنوا عليه مدينة أعظم من التي بنوا أولا وعمروها واتخذوها مسكنا فضاقت عنهم فبنوا عليها مدينة أخرى أكبر منها وما زال يكثر عمارها وهم يصعدون بالبنيان طبقة فوق طبقة حتى بلغت ثلاث عشرة مدينة ثم إني غبت عنهم مدة ثم دخلت إليهم مرة أخرى فوجدتهم قد زادوا مدينتين واحدة فوق أخرى ولهم ملوك فيهم لطف وحنان صحبت منهم جماعة منهم التالي وهو التابع بمنزلة القيل في حمير ولم أر ملكا أكثر منه ذكر الله قد شغله ذكر الله عن تدبير ملكه انتفعت به وكان كثير المجالسة لي ومنهم ذو العرف وهو ملك عظيم لم أر في ملوك الأرض أكثر من تأتي
(١٢٩)