بين ذلك وبين الجايحة فقدر بما دون الثلث وقال احمد إن تلفت بأمر سماوي كان من ضمان البايع وإن تلفت بنهب أو سرقة كان من ضمان المشترى لان ما يتلفه الآدمي يرجع إلى بدله منه فلهذا كان من ضمانه بخلاف الجايحة والجواب إن الحديث استضعفه الشافعي فلا يجوز أن يحتج به ويحتمل أن يكون أراد بذلك في بيع السنين أو قال ذلك ندبا لا واجبا والتخلية قبض صحيح لأنه يتعلق بها جواز التصرف ولا يمكن نقلها فأشبهت العقار وأما عطش الثمرة فيمنع انه من ضمان البايع ولو قلنا به فهو مبنى على قوله إن العقد يقتضى أن يكون سقيها على البايع كما اقتضى تركها على الأصول إلى أوان الجذاذ فإن عجز عن تسليم الماء ثبت للمشترى الخيار وقول مالك ليس بصحيح لان ما يأكله الطير لا يؤثر في العادة ولا يبلغ ما حده به إلا أن يقع عليه الجذاذ فيكون ذلك من جملة الجوايح وينتقض ما قاله احمد بالعبد إذا مات في يد البايع أو قتل فإنهما سواء وإن كان يرجع في أحدهما إلى الضمان. فروع: - آ - لو تلفت الثمرة بعد التخلية وبلوغ أوان الجذاذ وإمكانه من المشترى فعلى ما قلناه الضمان على المشترى لأنا نوجبه عليه وإن لم يبلغ أوان الجذاذ فمع بلوغه وإمكان الجذاذ منه يكون أولي وكذا على جديد الشافعي وعلى قديمه قولان أحدهما إنه (يكون صح) من ضمان البايع أيضا لان الآفة إصابته قبل أوان الجذاذ ولان التسليم لا يتم ما دامت الثمار متصلة بملك البايع والثاني إنها من ضمان المشترى لأنه بترك النقل مع قدرته عليه يكون مفرطا فانتقل الضمان إليه ولا نقاطع العلقة بينهما إذ لا يجب السقى على البايع حينئذ - ب - لو تلف بعض الثمار فكالكل إلا أن يتلف قبل التخلية فإنه يثبت للمشترى الخيار في التسليم ولو عابت الثمار بالجايحة ولم يتلف فإذا كان بعد التخلية فلا خيار للمشترى وهو جديد الشافعي وعلى قديمه يكون له الخيار وإن كان قبلها فمن ضمان البايع (- ج - لو ضاعت الثمار بغصب أو سرقة فإن كان قبل التخلية فمن ضمان البايع صح) وإن كان بعدها فمن المشترى وللشافعي قولان أحدهما إنها من ضمان البايع لان التسليم لا يتم بالتخلية على القديم والثاني إنها من ضمان المشترى على القديم أيضا لتمكنه من الاحتراز عنه بنصب الحفاظ ولان الرجوع على الجاني به الضمان يتيسر - د - لو اختلفا في الجايحة أو في قدرها فالقول قول البايع وبه قال الشافعي لان الثمن قد لزم بالبيع والأصل إلا جايحة - ه - إذا لم يمكن البايع المشترى من السقى عليه أو شرطه عند من لا يوجبه وأخل به وعرض في الثمار آفة بسبب العطش فإن تلفت وجب على البايع الضمان لأنه سبب في الاتلاف وللشافعية طريقان أحدهما أن في انفساخ البيع قولين وأصحهما القطع بالفسخ لان استحقاق السقى بالعقد قبل التخلية وما يستند إلى سبب سابق على القبض بمنزلة ما لو سبق بنفسه وعلى تقدير عدم الفسخ فعلى البايع الضمان للقيمة أو المثل وإنما يجب ضمان ما تلف ولا ينظر إلى ما كان ينتهى إليه لولا العارض ولو تعيبت ولم تفسد تخير المشترى وإن جعلنا الجايحة من ضمانه لان الشرع الزم البائع تنمية الثمار بالسقى إما بالشرط عندنا أو مطلقا عند الشافعي فالعيب الحادث بترك السقى كالعيب المتقدم على القبض ولو افضى التعيب إلى تلفه نظر إن لم يشعر به المشترى حتى تلف عاد البحث في الانفساخ ولزم الضمان على البايع إن قلنا بعدم الفسخ ولا خيار بعد التلف وإن شعر به ولم يفسخ حتى تلف فوجهان أحدهما يغرم البايع لعدوانه وعدمه لتقصير المشترى بترك الفسخ مع القدرة عليه - و - لو باع الأصل والثمرة معا فتلفت الثمرة بجايحة قبل التخلية بطل العقد فيهما ويتخير المشترى في الأشجار مع إمضاء البيع بقدر حصتها من الثمن وفسخ البيع فيها أيضا و (للشافعي صح) في بطلان بيع الأصول قولان وإن تلفت بعد التخلية فهي من ضمان المشترى عندنا وعند الشافعي أيضا قولا واحدا لانقطاع العلايق هنا والثمرة متصلة بملك المشترى - ز - لو اشترى طعاما مكايلة وقبضه جزافا فهلك في يده فهو من ضمان المشترى لحصول القبض وإن جعلنا الكيل شرطا فيه فالأقرب إنه من ضمان البايع وللشافعي وجهان (لبقاء الكيل بينهما صح) - ح - ليس للبايع تكليف مشترى الثمرة قطعها قبل بدو صلاحها إلا أن يشرطه بل يجب عليه تبقيتها إلى أوان أخذها عرفا بالنسبة إلى جنس الثمرة فما قضت العادة بأخذها بسرا اقتصر عليه وما قضت بأخذه رطبا أو قسبا آخر إلى وقته وكذا لو باع الأصل واستثنى الثمرة وأطلق وجب على المشترى إبقاؤها - ط - لو تلف الثمرة أجنبي قبل التخلية تخير المشترى بين فسخ البيع وإلزام المتلف والأقرب إلحاق البايع به فيتخير المشترى بين فسخ البيع وإلزام البايع بالمثل أو القيمة سواء زاد عن الثمن المسمى المدفوع إلى البايع أو نقصت عنه ولو تلفت بفعل المشترى فكالقبض يكون من ضمانه. مسألة. يجوز بيع الثمرة بجميع العروض والأثمان إلا بالثمرة وهي الزابنة وبيع الزرع كذلك إلا بالحب وهي المحاقلة هذا هو المشهور من تفسير المحاقلة والمزابنة والمحاقلة مأخوذة من الحقل وهي الساحة التي تزرع سميت محاقلة لتعلقها بزرع في حقل والمزابنة مأخوذة من الزبن وهو الدفع سميت بذلك لأنها مبنية على التخمين والغبن فيها مما يكثر فيريد المغبون دفعه والغابن إمضاءها فيتدافعان والأصل في تحريم المحاقلة والمزابنة النص روى جابر إن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن المحاقلة والمزابنة فالمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائه فرق من حنطة والمزابنة أن يبيع الثمرة بمائه فرق من تمر وهذا التفسير إن كان من النبي صلى الله عليه وآله فذلك وإن كان من الراوي فهو أعرف بتفسير ما رواه ولأنه مجهول المقدار بيع بجنسه وهما ربويان فلم يصح لجواز زيادة أحدهما على صاحبه بل هو الغالب لندور التساوي. مسألة. قد عرفت أن المحاقلة هي بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة الصافية على وجه الأرض والمزابنة بيع الرطب على رأس النخل بالتمر على وجه الأرض وبه قال الشافعي وأبو حنيفة واحمد وقال ما لك المحاقلة اكراء الأرض ببعض ما يخرج منها من الثلث أو الربع أو غيرهما ونقل عنه أيضا ما يقاربه وهو أن المحاقلة اكراء الأرض للزرع بالحب لان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن المحاقلة والمزابنة والمحاقلة كراء الأرض وذكر ابن المنذر في بعض الفاظه و المحاقلة استكراء الأرض (بالحنطة صح) وليس بجيد لان اكراء الأرض بالحنطة إنما هو بذل الحنطة في مقابلة المنفعة والمنفعة ليست بحنطة فإذا باع السنبل بالحنطة فقد باع حنطة بحنطة مع الجهالة بالتساوي وهو غير جايز والمزابنة هي ضمان الصبرة بقدر معلوم بأن يقول الشخص لغيره في صبرة مشاهدة ضمنت لك صبرتك هذه بمائه قفيز فيقول المالك هي أقل من ذلك فيقول لمالكها يكال الآن إن زاد فلى وإن نقص فعلى وهذا ليس عقدا وإنما هو قمار والقصد النهى عن عقده فالمشهور ما تقدم. مسألة هل يشترط في المحاقلة والمزابنة إتحاد الثمر والمثمر أم لا قيل نعم فيكون النهى متناولا لبيع الحنطة الثابتة في السنابل يجب منها معين المقدار ولبيع ثمرة النخل الثابتة عليها بثمرة منها فيجوز بيع كل منهما بتمر موضوع على الأرض من غير تلك (الثمرة ويجب موضوع على الأرض من غير تلك صح) السنابل للأصل ولما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادق (ع) قال سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى وتعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص وإما أن آخذه أنا بذلك وأرد عليك قال لا بأس وفي الحسن عن الحلبي عن الصادق (ع) في رجل قال لآخر بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين عن تمر أو أقل أو أكثر يسمى ما شاء فباعه فقال لا بأس به وقال بعض علمائنا لا يشترط ذلك بل يحرم بيع الزرع بالحنطة الموضوعة على الأرض وبيع الثمرة في النخلة بالتمر الموضوع على الأرض وبه قال الشافعي حذرا من الربا لان كل واحد منهما بيع مال الربا من جنسه من غير تحقق المساواة في المعيار الشرعي لان المعتاد فيهما الكيل ولا يمكن كيل الحنطة في السنابل ولا الثمر على رأس النخل والتخمين بالخرص لا يغنى كما لو كان كل واحد منهما على وجه الأرض ونمنع الربا لأنه لا يثبت إلا في المكيل أو الموزون ولا شئ من الثمرة على رأس النخل ولا من الزرع في السنابل بمكيل أو موزون وقد روى ابن رباط عن أبي الصباح الكناني قال سمعت الصادق (ع) يقول إن رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر وكان له نخل فقال له
(٥٠٨)