يجوز إبقاؤها لقول بن عباس أيما مصر مصرته العجم ففتحه الله على العرب فنزلوه فإن للعجم ما في عهدهم ولان الصحابة فتحوا كثيرا من البلاد عنوة فلم يهدموا شيئا من الكنايس ولحصول الاجماع عليه فإنها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير الثالث ما فتح صلحا فإن صالحهم على أن الأرض لهم ويأخذ منهم الخراج عليها فهنا يجوز إقرارهم على بيعهم وكنايسهم وبيوت نيرانهم ومجتمع عباداتهم وإحداث ما شاؤوا من ذلك فيها وإنشاؤه وإظهار الخمور فيها والخنازير وضرب الناقوس و الجهر بقراءة التورية والإنجيل لان ذلك لهم وإنما يمنعون من الأشياء الستة السابقة من الزنا واللواط بالمسلمين وافتنان؟ المسلم عن دينه وقطع الطريق وايواء عين المشركين واعانتهم على المسلمين وإن صالحهم على أن تكون الأرض للمسلمين ويؤدون الجزية إلينا بسكناهم فيها فالحكم في البيع والكنايس على ما يقع عليه الصلح فإن شرطنا لهم إقرارهم على البيع والكنايس أو على إحداث ذلك وإنشاءه جاز لأنه إذا جاز أن يصالحهم على أن يكون الأرض بأجمعها لهم جاز أن تكون بعض الأرض لهم بطريق الأولى وإن شرطنا عليهم أن لا يحدثوا شيئا أو يخربوها جاز ذلك أيضا ولو لم نشترط شيئا لم يجز لهم تجديد شئ لان الأرض للمسلمين وإذا شرط عليهم التجديد والاحداث فينبغي أن يبين مواضع البيع والكنايس وأما البلاد التي أحدثهما الكفار وحصلت تحت يدهم فإن أسلم أهلها كالمدينة واليمن فحكمها حكم القسم الأول وإن فتحت عنوة أو صلحا فقد تقدم. إذا عرفت هذا فكل موضع لا يجوز لهم إحداث شئ فيه إذا أحدثوا فيه جاز نقضه وتخريبه وكل موضع لهم إقراره لا هدمه فلو انهدم هل يجوز إعادته تردد الشيخ فيه وقال الشافعي يجوز لهم إعادته وبه قال أبو حنيفة لانهم يقرون عليها وبناؤها كاستدامتها ولهذا يجوز تشييد حيطانها ورم ما تشعث منها ولانا أقررنا هم على التبقية فلو منعناهم من العمارة لخربت وقال بعض الشافعية لا يجوز لهم ذلك وعن أحمد روايتان لأنه إحداث للبيع والكنايس في دار الاسلام فلم يجز كما لو ابتداء بناؤها ولقول النبي لا تبنى الكنيسة في دار الاسلام ولا يجدد ما خرب منها بخلاف رم ما تشعث ولأنه إبقاء واستدامة وهذا إحداث. مسألة. ظهر من هذا الاتفاق على جواز رم ما تشعث مما لهم ابقاؤه وإصلاحه وهل يجب إخفاء العمارة للشافعية وجهان أصحهما عندهم (العدم كما يجوز إبقاء الكنيسة فحينئذ يجوز تطيينها من داخل وخارج وإعادة الجدار الساقط وعلى الأول يمنعون من التطيين من خارج وإذا أشرف الجدار على السقوط بنوا جدار داخل الكنيسة وقد تمس الحاجة إلى بناء ثان وثالث فينتهى الامر إلى أن لا يبقى من الكنيسة شئ ويمكن الجواب بايقاع العمارة ليلا ولو انهدمت الكنيسة فللشافعي في جواز إعادتها وجهان أحدهما المنع لان الإعادة ابتداء وأصحهما عندهم صح) الجواز وبه قال أبو حنيفة واحمد لان الكنيسة ميقاة لهم فلهم التصرف في مكانها وإذا جوزنا إعادتها لم يكن لهم توسيع خطتها لان الزيادة كنيسة جديدة متصلة بالأولى وهو أصح وجهي الشافعي والثاني الجواز. مسألة. دور أهل الذمة على أقسام ثلاثة أحدها دار محدثه وهو أن يشترى عرصة ويستأنف فيها بناء فليس له أن يعلو على بناء المسلمين إجماعا لقوله (ع) الاسلام يعلوا ولا يعلى عليه ولأنه يشتمل على إطلاعهم على عورات المسلمين وعلى استكثارهم وازديادهم عليه وللشافعية قول بجوازه والمراد أن لا يعلوا على بناء جيرانه دون غيرهم وللشافعي قول بأنه لا يجوز أن يطيل بناءه على بناء أحد من المسلمين في ذلك البلد ولا فرق بين أن يكون في الجدار معتدلا أو في غاية الانخفاض ثم المنع لحق الدين لا لمحض حق الجار حتى يمضى وإن رضي الجار وهل يجوز أن يساوى بناء المسلمين قال الشيخ (ره) ليس له ذلك بل يجب أن يقصر عنه لقوله (ع) الاسلام يعلو ولا يعلى عليه ولا يتحقق علو الاسلام بالمساواة ولانا نمنع من مساواتهم للمسلمين في اللباس والركوب فكذا هنا وهو أحد وجهي الشافعي والثاني الجواز لعدم الاستطالة على المسلمين وليس بجيد لأنا منعناه المساواة في اللباس والركوب وأوجبنا التمييز فكذا هنا ولان علو الاسلام لا يتحقق معها ولو كان أهل الذمة في موضع متفرد كطرف بلدة منقطع عن العمارات فلا منع من رفع البناء وهو أحد وجهي الشافعية والثاني المنع كما يمنعون من ركوب الخيل الثاني دار مبتاعة لها بناء رفيع فإنها تترك على حالها من العلو إن كانت أعلى من المسلمين لأنه هكذا ملكها ولا يجب هدمها لأنه لم يبنها وإنما بناها المسلمون فلم يعد على المسلمين شيئا وكذا لو كان للذمي دار عالية فاشترى المسلم دار إلى جانبها أقصر منها أو بنى المسلم دار إلى جانبها أقصر منها فإنه لا يجب على الذمي هدم علوه أما لو انهدمت دار الذمي العالية فأراد تجديدها لم يجز له العلو على المسلم إجماعا ولا المساواة على الخلاف وكذا لو انهدم ما على منها وارتفع فإنه لا يكون له إعادته ولو تشعث منه شئ ولم ينهدم جاز له رمه وإصلاحه لأنه استدامة وابقاء لا تجديد الثالث دار مجددة وحكمها حكم المحدثة سواء وقد تقدم . مسألة. قد بينا إنهم يمنعون من ركوب الخيل لأنه غرو قد ضربت عليهم الذلة وللشافعية وجه إنهم لا يمنعون كما لا يمنعون من الثياب النفيسة والأظهر المنع واستثنى بعضهم عن المنع البراذين الخسيسة والحق بعضهم البغال النفيسة بالخيل لما في ركوبها من التجمل ولا يمنعون من البهايم وإن كانت رفيعة القيمة ولا يركبون بالسرج ويكون ركبهم من الخشب دون الحديد ويمنعون من تقليد السيوف وحمل السلاح ومن لجم الذهب والفضة وقال بعض الشافعية هذا كله في الذكور البالغين فأما النساء والصغار فلا يلتزمون الصغار كما تضرب عليهم الجزية. مسألة. لا ينبغي تصدير أهل الذمة في المجالس ولا بدأتهم بالسلام ولا يترك لهم صدر الطريق بل يلجأون إلى أضيق الطرق إذا كان المسلمون يطرقون فإن خلت الطرق عن الزحمة فلا بأس قال (ع) لا تبتدأوا اليهودي والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه وليكن التضيق عليه بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدم جدارا ولا يوقرون ولا يجوز أن يبدأ من لقيه منهم بالسلام قال (ع) إنا غادون غدا فلا تبدؤوهم بالسلام فإن سلموا عليكم فقولوا وعليكم قالت عايشه دخل رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وآله وقالوا السام عليك ففهمتها فقلت وعليك السام واللعنة والسخط فقال (ع) مهلا يا عايشه فإن الله تعالى يحب الرفق في الأمور كلها فقلت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا فقال قولي وعليكم فعلى هذا ينبغي أن يرد بأزيد من قوله وعليكم ولا تجوز مودتهم قال الله تعالى " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " الآية ومنع بعض الشافعية من دخول نساء أهل الذمة الحمام مع نساء المسلمين لأنه احتساب في الدين وكذا منع من لبس أهل الذمة الديباج والأقرب عدم المنع كما لا يمنع من رفيع القطن والكتان. مسألة. يجب على أهل الذمة الانقياد لحكمنا فإذا فعلوا ما يعتقدون تحريمه يجرى عليهم حكم الله فيه ولا يعتبر فيه رضاهم كالزنا والسرقة فإنهما محرمان عندهم كما في شرعنا وأما ما يستحلونه وهو محرم عندنا كالخمر فإن تظاهروا به حدوا عليه وإلا فلا ولو نكح واحد من المجوس محرما له لم يتعرض له وتنقض الذمة بقتال المسلمين سواء شرط عليهم الامتناع أو لا لان عقد الذمة الكف عن القتال (فالقتال صح) يناقضه ولو منعوا الجزية والانقياد للأحكام انتقض العهد لان عقد الذمة بهما يتم ولذلك تشترط الجزية والانقياد للأحكام في ابتداء العقد وهو محمول على منعها مع القدرة فأما العاجز المستمهل فلا ينتقض عهده ويحتمل أن يقال في القادر تؤخذ منه الجزية قهرا ولا يجعل الامتناع ناقضا كما لو امتنع عن دين وأما الامتناع من إجراء الاحكام فإن امتنع هاربا احتمل أن لا يكون ناقضا وإن امتنع راكبا إلى عدو وقوة دعى إلى الاسلام فإن نصب القتال انتقض عهده بالقتال وقال بعضهم إن الامتناع من البذل نقض العهد من الجماعة والواحد والامتناع من الأداء مع الاستمرار نقض من الجماعة دون الواحد لأنه يسهل إجباره عليه وفي قطع الطريق أو القتل الموجب للقصاص للشافعية طريقان أحدهما إنه كالقتال لان شهر السلاح وقصد النفوس والأموال مجاهدة تناقض الأمان وأظهرهما إنه كالزنا بالمسلمة لأنه ليس فيهما منابذة للمسلمين ولا يلحق بالمنابذة التوثب على رفقة أو شخص معين وتجرى الطريقان فيما إذا قذف مسلما وسواء قلنا ينتقض
(٤٤٦)