وهذان القسمان ينتقض العهد بمخالفتها سواء شرط ذلك في العقد أو لا الثالث ما ينبغي اشتراطه فيما يجب عليهم الكف وهو سبعة ترك الزنا بالمسلمة وعدم إصابتها باسم النكاح وأن لا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يقطع عليه الطريق ولا يؤوى عين المشركين ولا يعين على المسلمين بدلالة أو بكتابة كتاب إلى أهل الحرب بأخبار المسلمين ويطلعهم على عوراتهم ولا يقتلوا مسلما ولا مسلمة فإن فعلوا شيئا من ذلك وكان تركه شرطا في العقد نقضوا العهد وإلا فلا ثم إن أوجب ما فعلوه حدا حدهم الامام وإن لم يوجبه عزرهم بحسب ما يراه للشافعي قولا آخر إنه لا يكون نقضا للعهد مع الشرط لان كل ما لا يكون فعله نقضا للعهد إذا لم يشترط لم يكن نقضا وإن اشترط كإظهار الخمر و الخنزير ونمنع الكلية وثبوت الحكم في الأصل وقال أبو حنيفة لا ينقض العهد إلا بالامتناع من الامام على وجه يتعذر معه أخذ الجزية منهم وليس بجيد لان الأمان وقع على هذا الشرط فيبطل ببطلانه ولان عمر رفع إليه رجل قد أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا فقال ما على هذا صالحناكم ثم أمر به فصلب في بيت المقدس الرابع ما فيه غضاضة على المسلمين وهو ذكر ربهم أو كتابهم أو نبيهم أو دينهم بسوء فإن نالوا بالسب الله تعالى أو رسوله وجب قتلهم وكان نقضا للعهد وإن نالوا بدون السب أو ذكروا دين الاسلام أو كتاب الله تعالى بما لا ينبغي فإن كان قد شرط عليهم الكف عن ذلك كان نقضا للعهد وإلا فلا وقال بعض الشافعية يجب شرط ذلك فإن أهمل فسد عقد الذمة لأنه مما يقتضيه الصغار. الخامس ما يتضمن المنكر ولا ضرر فيه على المسلمين وهو أن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة في دار الاسلام ولا يرفعوا أصواتكم بكتبهم ولا يضربوا الناقوس ولا يطيلوا أبنيتهم على بناء المسلمين ولا يظهروا خمرا ولا خنزيرا في دار الاسلام فهذا كله يجب عليهم الكف عنه سواء شرط عليهم أو لا فإن خالفوا وكان مشروطا عليهم انتقض أمانهم وإلا فلا بل يجب الحد أو التعزير لما رواه العامة عن عمر قال من ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) في الصحيح إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الجزية من أهل الجزية على أن لا يأكلوا الربا ولا يأكلوا اللحم الخنزير ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمة الله وذمة رسول الله وقال ليست لهم اليوم ذمة ولأنه عقد منوط بشرط فمتى لم يوجد الشرط زال حكم العقد كما لو امتنع من التزام قبول الجزية وقال الشيخ (ره) لا يكون نقضا للعهد وإن شرط عليهم وبه قال الشافعي قال بعض أصحابه إنما لا يكون نقضا لأنه لا ضرر على المسلمين فيه وقال آخرون لا يكون نقضا لانهم يتدينون به . إذا عرفت هذا فكل موضع قلنا إنه ينتقض عهدهم فأول ما يعمل أنه يستوفى منهم موجب الجرم ثم بعد ذلك يتخير الامام بين القتل والاسترقاق والمن والفداء ويجوز له أن يردهم إلى مأمنهم في دار الحرب يكونوا حربا لنا يفعل ذلك ما يراه صلاحا للمسلمين قاله الشيخ (ره) للشافعي قولان أحدهما إنه يرد إلى مأمنه لأنه دخل دار الاسلام بأمان فوجب رده كما لو دخل بأمان صبى والثاني يكون للامام قتله واسترقاقه لأنه كافر لا أمان له فأشبه الحربي المتلصص وهو الأقرب عندي لأنه فعل ما ينافي الأمان بخلاف من أمنه صبى فإنه يعتقده أمانا. السادس التميز عن المسلمين وينبغي للامام أن يشترط عليهم في عقد الذمة التميز عن المسلمين في أربعة أشيائهم في لباسهم وشعورهم وركوبهم وكنائهم أما اللباس فيلبسوا ما يخالف لونه ساير ألوان الثياب فعادة اليهود العلى وعادة النصارى الأدكن والمجوس الأسود ويكون هذا في ثوب واحد لا في الجميع ويأخذهم بشد الزنار في وسط النصراني فوق الثياب واليهودي بوضع خرقه فوق عمامته أو قلنسوته تخالف في اللون ويجوز أن يلبسوا العمايم والطيلسان فإن لبسوا القلانس شدوا في رأسها علماه ليخالف قلانس القضاة وتختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو حديد لا من ذهب وفضة (ويضع فيه صح) جلجلا أو جرسا ليمتاز به عن المسلمين في الحمام وكذا يأمر نسائهم بلبس شئ يفرق بينهن وبين المسلمات من شد الزنار تحت الازار ويختم في رقبتهن ويغيروا أحد الخفين فيكون أحدهما احمر والاخر أبيض ولا يمنعون من لبس فأخر الثياب وأما الشعور فلا يفرقون شعورهم لان النبي صلى الله عليه وآله فرق شعره ويحذفون مقاديم رؤوسهم ويجزون شعورهم وأما الركوب فلا تركبون الخيل لأنه غر ويركبون (ما عداها بغير سرج ويركبون صح) عرضا رجلاه إلى جانب وظهره إلى آخر ويمنعون تقليد السيوف وحمل السلاح واتخاذه وأما الكنى فلا يكونون بكنى المسلمين كأبى القاسم وأبى عبد الله وأبي محمد وأبى الحسن وشبهها ولا يمنعون من جميع الكنى لان النبي صلى الله عليه وآله قال لا سقف نجران أسلم أبا الحرث. مسألة. من انتقض أمانه يتخير الامام فيه بين المن والقتل والاسترقاق والفداء على ما بيناه فإن أسلم قبل اختيار الإمام سقط ذلك كله إلا ما يوجب حدا أو قودا أو استعادة مال قال الشيخ (ره) فإن أصحابنا رووا ان إسلامه لا يسقط عنه الحد لأنه حق ثبت في ذمته فلا يسقط بإسلامه كالدين ولو أسلم بعد استرقاقه لم ينفعه في ترك الاسترقاق وكذا المفاداة وأما المستأمن وهو المعاهد في عرف الفقهاء فهو الذي له أمان بغير ذمة فللامام أن يؤمنه دون الحول بعوض وغيره ولو أراد إقامة حول وجب العوض فإذا عقد له الأمان فإن خاف منه الامام الخيانة بايواء عين المشركين وشبهه نبذ الامام إليه الأمان ويرده إلى دار الحرب لقوله تعالى " واما تخافن من قوم خيانة فأنبذ إليهم على سواء " بخلاف أهل الذمة فإنه لا تنقص ذمتهم بخوف الخيانة لالتزامهم بأحكام الاسلام من الحدود وغيرها ليكون ذلك مانعا عن الخيانة (والمعاهدون لا يلزمهم حد ولا عقوبة فلا زاخر لهم عن الخيانة صح) فجاز لنا نبذ عهدهم مع خوف الخيانة وينبغي للامام إذا عقد الذمة ان يكتب أسمائهم وأسماء آبائهم وعددهم وحليتهم ويعرف كل عشرة منهم عريفا ليحفظ من يدخل منهم ويخرج عنهم كان يبلغ صغيرا ويفيق مجنون أو يقدم غايب أو يسلم واحد أو يموت ويجبى جزيتهم وإن تولاه بنفسه جاز. مسألة. لا يجوز أخذ الجزية مما لا يسوغ للمسلمين تملكه كالخمر والخنزير إجماعا نعم يجوز أخذها من ثمن ذلك فلو باع ذمي خمرا أو خنزيرا على ذمي وقبض الثمن جاز أخذه من الجزية لأنا عقدنا الذمة على تدينهم (مذهبهم) ولان محمد بن مسلم سأل الصادق (ع) في الصحيح عن صدقات أهل الذمة وما يأخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم ولحم خنازيرهم وميتتهم قال عليهم الجزية في أموالهم يؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو الخمر وكلما أخذوا منهم من ذلك قرروا ذلك عليهم وثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم إذا عقد لهم الذمة عصموا أنفسهم وأموالهم وأولادهم الأصاغر من القتل والسبي والنهب ما داموا على الذمة ولا يتعرض لكنايسهم وخمورهم وخنازيرهم ما لم يظهروها ولو ترافعوا إلينا في خصوماتهم تخيرا الحاكم بين الحكم عليهم بمقتضى شرع الاسلام وبين ردهم إلى حاكمهم ومن أراق من المسلمين لهم خمرا أو قتل خنزيرا فإن كان مع تظاهرهم فلا شئ عليه وإلا وجب عليه قيمته عند مستحليه وإذا مات الامام وقد ضرب لما قرره من الجزية أمدا معينا أو اشترط الدوام وجب على القايم بعده إمضاء ذلك إجماعا لان الامام معصوم أما نايبه فلو قررهم ثم مات المنوب فإن كان ما قرره صوابا وجب اتباعه وإلا فسخ إذا ثبت هذا فإن الثاني ينظر في عقدهم فإن كان صحيحا أقرهم عليه لأنه مؤبد وإن كان فاسدا غيره إلى الصحة لأنه منصوب لمصالح المسلمين ثم إن كان ما عقده الأول ظاهرا معلوما (اتبع وإن لم يكن معلوما صح) وشهد عدلان به عمل عليه ولا تقبل شهادة بعضهم على بعض فإن اعترفوا بالجزية وكانت دون الواجب لم يلتفت إليهم وطالبهم بالواجب فإن بذلوه وإلا ردهم إلى مأمنهم إن اعترفوا بالواجب أقرهم عليه وإن اتهمهم (في الزايد صح) حلفهم ولو قيل باستيناف العقد معهم لان عقد الأول لم يثبت عنده كان حسنا. مسألة. قد بينا إن أقل الجزية دينار عند بعض علمائنا قدره إثنا عشر درهما نقره مسكوكة أو مثقال والدينار في غير الجزية يقابل بعشرة دراهم وللامام أن يماكس بالزيادة ما شاء ولو لم يبذل إلا الدينار وجب القبول ولو
(٤٤٣)