العقاب بلا بيان، فإن العقل يحكم بقبح المؤاخذة على ترك الأكثر مع عدم العثور على بيان من الشارع على وجوبه بعد الفحص عنه.
وأما حكم النقل، فما ورد في البراءة من التكليف عند الشك فيه إذا كانت الشبهة بدوية، مثل حديثي الرفع (1) والحجب (2)، والمفروض أن الأكثر يصير شبهة بدوية بعد انحلال العلم الإجمالي.
وإنما تجري البراءة إذا أمكن انحلال العلم الإجمالي كما تقدم، ولذلك قال الشيخ الأنصاري:
" وبالجملة: فالعلم الإجمالي فيما نحن فيه غير مؤثر في وجوب الاحتياط، لكون أحد طرفيه معلوم الإلزام تفصيلا، والآخر مشكوك الإلزام رأسا " (3).
وممن اختار هذا الرأي:
- المحقق العراقي، حيث ذهب إلى أنه لم يكن في الأقل أو الأكثر الارتباطيين علم إجمالي أصلا، والتعبير عنه بذلك مسامحة واضحة (4)، لأن مرجع الشك في أن الواجب هو الأقل أو الأكثر إلى أن شخص التكليف المنبسط على ذوات الأجزاء هل هو محدود بحد يشمل الجزء المشكوك، أو بحد لا يشمله نظير الخط الذي يشك في أنه محدود بكونه إلى ذراع أو أزيد؟ ومن الواضح أن هذا لا يوجب اختلافا في ذات الوجوب التي هي مصب حكم العقل بالإطاعة (1).
وبعبارة أخرى: أن العلم الإجمالي المتصور في المقام إنما هو بالنسبة إلى حد التكليف، من حيث تردده بين كونه محدودا بحد لا يتجاوز الأقل، أو بحد يتجاوزه ويشمل الزائد، وإلا فبالنسبة إلى نفس التكليف والواجب لا يكون من الأول إلا علم تفصيلي بمرتبة من التكليف وشك بدوي محض بمرتبة أخرى منه متعلقة بالزائد (2).
- والمحقق الإصفهاني، وبنى استدلاله على الانحلال بما اختاره: من أن وجوب المركب ذي الأجزاء وجوب نفسي واحد منبسط على جميع الأجزاء، ثم قال: " ولا ريب أن هذا الوجوب النفسي الشخصي المعلوم أصله منبسط على تسعة أجزاء بتعلق واحد، وانبساطه بعين ذلك التعلق على الجزء العاشر المشكوك، مشكوك، فهذا الوجوب النفسي الشخصي المعلوم بمقدار العلم بانبساطه يكون فعليا منجزا، وبالمقدار الآخر المجهول لا مقتضي لفعليته وتنجزه " (3).
وإذا لم يكن الوجوب فعليا ومنجزا في المشكوك فينحل العلم إلى ما هو واجب قطعا