هل من مزيد ولا إن تقول أكل بعضي بعضا فنزول الحق برحمته إليها التي وسعت كل شئ وحنانه وسع لها المجال في الدعوى والتسلط على من تجبر على من أحسن إليها هذا الإحسان وجميع ما تفعله بالكفار من باب شكر المنعم حيث أنعم عليها فما تعرف منه سبحانه إلا لنعمة المطلقة التي لا يشوبها ما يقابلها فالناس غالطون في شأن خلقها ومن أعجب ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا مع أصحابه في المسجد فسمعوا هدة عظيمة فارتاعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعرفون ما هذه الهدة قالوا الله ورسوله اعلم قال حجر ألقى من أعلى جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها فكان وصوله إلى قعرها وسقوطه فيها هذه الهدة فما فرع من كلامه صلى الله عليه وسلم إلا والصراخ في دار منافق من المنافقين قد مات وكان عمره سبعين سنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر فعلم علماء الصحابة أن هذا الحجر هو ذاك المنافق وأنه منذ خلقه الله يهوى في نار جهنم وبلغ عمره سبعين سنة فلما مات حصل في قعرها قال تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار فكان سماعهم تلك الهدة التي أسمعهم الله ليعتبروا فانظر ما أعجب كلام النبوة وما ألطف تعريفه وما أحسن إشارته وما أعذب كلامه صلى الله عليه وسلم ولقد سألت الله أن يمثل لي من شأنها ما شاء فمثل لي حالة خصامهم فيها وهو قوله تعالى إن ذلك لحق تخاصم أهل النار وقوله تعالى قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين لضلالهم وآلهتهم إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون وهم أهل النار الذين هم أهلها الذين يقول الله فيهم وامتازوا اليوم أيها المجرمون يريد بالمجرمين أهل النار الذين يعمرونها ولا يخرجون منها يمتازون عن الذين يخرجون منها بشفاعة الشافعين وسابق العناية الإلهية في الموحدين فهذا مثل لي في وقت منها فما شبهت خصامهم فيها إلا كخصام أصحاب الخلاف في مناظرتهم إذا استدل أحدهم فإذا رأيت ذلك تذكرت الحالة التي أطلعني الله عليها ورأيت الرحمة كلها في التسليم والتلقي من النبوة والوقوف عند الكتاب والسنة ولقد عمي الناس عن قوله صلى الله عليه وسلم عند نبي لا ينبغي تنازع وحضور حديثه صلى الله عليه وسلم كحضوره لا ينبغي أن يكون عند إيراده تنازع ولا يرفع السامع صوته عند سرد الحديث النبوي فإن الله يقول لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا فرق عند أهل الله بين صوت النبي أو حكاية قوله فما لنا إلا التهيؤ لقبول ما يرد به المحدث من كلام النبوة من غير جدال سواء كان ذلك الحديث جوابا عن سؤال أو ابتداء كلام فالوقوف عند كلامه في المسألة أو في النازلة واجب فمتى ما قيل قال الله أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يقبل ويتأدب السامع ولا يرفع صوته على صوت المحدث إذا قال ما قال الله أو سرد الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وما تلاه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سمعه السامع إلا منه ثم إذا شاركه السامع في حال كلامه فهو ليس بسامع فإنه من الآداب التي أدب الله نبيه صلى الله عليه وسلم قوله ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه والله يقول لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض وتوعد على ذلك بحبط العمل من حيث لا يشعر الإنسان فإنه يتخيل في رده وخصامه أنه يذب عن دين الله وهذا من مكر الله الذي قال فيه سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وقال ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فالعاقل المؤمن الناصح نفسه إذا سمع من يقول قال الله تعالى أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينصت ويصغ ويتأدب ويتفهم ما قال الله أو ما قال رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون فأوقع الترجي مع هذه الصفة وما قطع بالرحمة فكيف حال من خاصم ورفع صوته وداخل التالي وسأرد الحديث النبوي في الكلام وأرجو أن يكون الترجي الإلهي واجبا كما يراه العلماء ولما عاينت هذا المحل رأيت عجبا وفي هذه الرؤية رأيت اعتماد الماء على الهواء وهو من أعجب الأشياء في عمارة الأحياز وإن جوهرين لا يكونان في حيز واحد وإن الحيز لن شغله وفي هذه الرؤية علمت إبطال التوالد وأن المحرك للأشياء هو الله تعالى وأن السبب لا أثر له في الفعل جملة واحدة وفي هذه الرؤية علمت إن الألطف أقوى من الأكثف فإن الهواء ألطف من الماء بلا شك وقد منعه ولم يقاومه الماء في القوة ومنعه من النزول فإني رأيت نفسي في الهواء والماء فوقي ويمنعه لهواء من النزول إلى الأرض وفي هذه الرؤية علمت علوما جمة كثيرة
(٢٩٨)