في الشرع أو قامت عندها شبهة بإباحة ذلك فيراه من مذهبه التحريم فيقول إن النفس لأمارة بالسوء كشرب النبيذ بين محلله ومحرمه ونكاح الربيبة التي لم يجتمع فيها الشرطان ومثل هذا في الشريعة كثير وكلا المذهبين شرع مقرر صحيح إذا كانا عن اجتهاد مع أن أحدهما أخطأ دليل الشارع الذي حكم به في تلك المسألة أو لو حكم فيها والمجتهدان مأجوران وقد يكون في المسألة أحد المجتهدين مصيبا وقد يكون كل واحد منهما مخطئا فإن الحكم في تلك المسألة شرعا ليس بمنحصر ثم إن قول الله تعالى إن النفس لأمارة بالسوء فما هو حكم الله عليها بذلك وإنما الله حكى ما قالته امرأة العزيز في مجلس العزيز وهل أصابت في هذه الإضافة أولم تصب هذا حكم آخر مسكوت عنه بل الذي هو لها أنها لوامة نفسها إذا قبلت من الشيطان ما يأمرها به فهذا الإخبار عن النفس أنها أمارة بالسوء ما هو حكم الله عليها ولا من قول يوسف عليه السلام فبطل التمسك بهذه الآية لما دل عليه الظاهر والدليل إذا دخله الاحتمال سقط الاحتجاج به وأما قوله تعالى في هذا المقام كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك فهو إبانة عن حقيقة صحيحة بما هو الأمر عليه في نفسه من أنه لا حول ولا قوة إلا بالله وقوله وما كان عطاء ربك محظورا أي ممنوعا يقول إن الله يعطي على الدوام والمحال تقبل على قدر حقائق استعداداتها كما تقول إن الشمس تنبسط أنوارها على الموجودات وما تبخل بنورها على أحد وتقبل المحال ذلك النور على قدر استعدادها وكل محل يضيف الأثر إلى الشمس ويغفل عن استعداده فالشخص المبرود يلتذ بحرارتها والجسم المحرور يتألم بحرارتها والنور من حيث ذاته واحد وكل واحد من الشخصين يتألم بما به يتنعم صاحبه فلو كان ذلك للنور وحده لأعطى حقيقة واحدة وكذلك أعطى ما في قوته غير أنه للقابل حكم في ذلك ولا بد فإن النتيجة لا تكون إلا عن مقدمتين فيسود وجه القصار الذي يبيض الثوب فإن استعداد الثوب تعطي الشمس فيه التبيض ووجه القصار تعطي الشمس فيه السواد وكذلك النفخة الواحدة من النافخ وهي الهواء تطفئ السراج وتشعل النار الذي في الحشيش والهواء في نفسه واحد فترد الآية من كتاب الله واحدة العين على الأسماع فسامع يفهم منها أمرا واحد أو سامع آخر لا يفهم منها ذلك الأمر ويفهم منها أمرا آخر وآخر يفهم منها أمورا كثيرة ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها لاختلاف استعداد الأفهام وهكذا في التجليات الإلهية فالمتجلي من حيث هو في نفسه واحد العين واختلفت التجليات أعني صورها بحسب استعدادات المتجلي لهم وكذلك في العطايا الإلهية سواء فإذا فهمت هذا علمت إن عطاء الله ليس بممنوع إلا أنك تحب أن يعطيك ما لا يقبله استعدادك وتنسب المنع إليه فيما طلبته منه ولم تجعل بالك إلى الاستعداد فقد يستعد الشخص للسؤال وما عنده استعداد لقبول ما سأل فيه فلو أعطيه بدلا من المنع ويقول إن الله على كل شئ قدير ويصدق في ذلك ولكنك تغفل عن ترتيب الحكمة الإلهية في العالم وما تعطيه حقائق الأشياء والكل من عند الله فمنعه عطاء وعطاؤه منع ولكن بقي لك أن تعلم لكذا ومن كذا فقد عرفتك بالنفس وأنها المحركة للجوارح بما يغلب عليها أما من ذاتها أو مما تقبله من الملك أو الشيطان فيما يلهمها به فعلم الإلهام هو أن تعلم أن الله ألهمك بما أوقره في نفسك ولكن بقي عليك إن تنظر على يدي من ألهمك وعلى أي طريق جاءك ذلك الإلهام من ملك أو شيطان وما يخرج من قبيل الأمر والنهي المشروع فهو العلم اللدني ما هو الإلهام فالعلم بالطاعة الهامي والعلم نتائج الطاعة لدني ففرق ما بين العلم اللدني والإلهام فالإلهام عارض طارئ يزول ويجئ غيره والعلم اللدني ثابت لا يبرح فمنه ما يكون في أصل الخلقة والجبلة كعلم الحيوانات والأطفال الصغار ببعض منافعهم ومضارهم فهو علم ضروري لا إلهام وأما قوله وأوحى ربك إلى النحل فإنه يريد في أصل نشأتها فطرها الله على ذلك والإلهام هو ما يلهمه العبد من الأمور التي لم يكن يعرفها قبل ذلك والعلم اللدني الذي لا يكون في أصل الخلقة فهو العلم الذي تنتجه الأعمال فيرحم الله بعض عباده بأن يوفقه لعمل صالح فيعمل به فيورثه الله من ذلك علما من لدنه لم يكن يعلمه قبل ذلك ولا يلزم من العلم اللدني أن يكون في مادة والإلهام لا يكون إلا في مواد والعلم يصيب ولا بد والإلهام قد يصيب وقد يخطئ فالمصيب منه يسمى علم الإلهام وما يخطئ منه يسمى إلهاما لا علما أي لا علم إلهام والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
(٢٨٧)