فانظر بعقلك سبعة في سبعة * من سبعة ليسوا من الأملاك وانظر بفكرك في تناسب حكمها * واضرب بسيف صارم بتاك أراد بالأملاك الأول من الملائكة جمع ملك وأراد بالأملاك الثاني من الملوك جمع ملك يقول هم مسخرون والمسخر لا يستحق اسم الملك والسبعة المذكورة هي السبعة الدراري في السبعة الأفلاك الموجودة من السبعة الأيام التي هي أيام الجمعة وهي للحركة التي فوق السماوات وهي حركة اليوم للفلك الأقصى اعلم أن كل شئ من الأكوان لا بد أن يكون استناده إلى حقائق إلهية فكل علم مدرج في العلم الإلهي ومنه تفرعت العلوم كلها وهي منحصرة في أربع مراتب وكل مرتبة تنقسم إلى أنواع معلومة محصورة عند العلماء وهو العلم المنطقي والعلم الرياضي والعلم الطبيعي والعلم الإلهي والعالم يطلب من الحقائق الإلهية أربع نسب الحياة والعلم والإرادة والندرة إذا ثبتت هذه الأربع النسب للواجب الوجود صح أنه الموجد للعالم بلا شك فالحياة والعلم أصلان في النسب والإرادة والقدرة دونهما والأصل الحياة فإنها الشرط في وجود العلم والعلم له عموم التعلق فإنه يتعلق بالواجب الوجود وبالممكن وبالمحال والإرادة دونه في التعلق فإنه لا تعلق لها إلا بالممكن في ترجيحه بإحدى الحالتين من الوجود والعدم فكان الإرادة تطلبها الحياة فهي كالمنفعلة عنها فإنها أعم تعلقا من القدرة والقدرة أخص تعلقا فإنها تتعلق بإيجاد الممكن لا بإعدامه فكأنها كالمنفعلة عن العلم لأنها من الإرادة بمنزلة العلم من الحياة فلما تميزت المراتب في هذه النسب الإلهية تميز الفاعل عن المنفعل خرج العالم على هذه الصورة فاعلا ومنفعلا فالعالم بالنسبة إلى الله من حيث الجملة منفعل محدث وبالنظر إلى نفسه فمنه فاعل ومنفعل فأوجد الله سبحانه العقل الأول من نسبة الحياة وأوجد النفس من نسبة العلم فكان العقل شرطا في وجود النفس كالحياة شرط في وجود العلم وكان المنفعلان عن العقل والنفس الهباء والجسم الكل فهذه الأربعة أصل ظهور الصور في العالم غير أن بين النفس والهباء مرتبة الطبيعة وهي على أربع حقائق منها اثنان فاعلان واثنان منفعلان وكلها في رتبة الانفعال بالنظر إلى من صدرت عنه فكانت الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فاليبوسة منفعلة عن الحرارة والرطوبة منفعلة عن البرودة فالحرارة من العقل والعقل عن الحياة ولذلك طبع الحياة في الأجسام العنصرية الحرارة والبرودة من النفس والنفس من العلم ولهذا يوصف العلم إذا استقر ببرد اليقين وبالثلج ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حين وجد برد الأنامل بين ثدييه فعلم علم الأولين والآخرين ولما انفعلت اليبوسة والرطوبة عن الحرارة والبرودة طلبت الإرادة اليبوسة لأنها في مرتبتها وطلبت القدرة الرطوبة لأنها في مرتبتها ولما كانت القدرة ما لها تعلق إلا بالإيجاد خاصة كان الأحق بها طبع الحياة وهي الحرارة والرطوبة في الأجسام وظهرت الصور والأشكال في الهباء والجسم الكل فظهرت السماء والأرض مرتوقة غير متميزة ثم إن الله تعالى توجه إلى فتق هذا الرتق ليميز أعيانها وكان الأصل الماء في وجودها ولهذا قال وجعلنا من الماء كل شئ حي ولحياته وصف بالتسبيح فنظم الله أولا هذه الطبائع الأربع نظما مخصوصا فضم الحرارة إلى اليبوسة فكانت النار البسيطة المعقولة فظهر حكمها في جسم العرش الذي هو الفلك الأقصى والجسم الكل في ثلاثة أماكن منها المكان الواحد سماه حملا والمكان الثاني وهو الخامس من الأمكنة المقدرة فيه سماه أسدا والمكان الثالث وهو التاسع من الأمكنة المقدرة فيه سماه قوسا ثم ضم البرودة إلى اليبوسة وأظهر سلطانهما في ثلاثة أمكنة من هذا الفلك وهو التراب البسيط المعقول فسمى المكان الواحد ثورا والآخر سنبلة والثالث جديا ثم ضم الحرارة إلى الرطوبة فكان الهواء البسيط وأظهر حكمه في ثلاثة أمكنة من هذا الفلك الأقصى سمي المكان الواحد الجوزاء والآخر الميزان والثالث الدالي ثم ضم البرودة إلى الرطوبة فكان الماء البسيط وأظهر حكمه في ثلاثة مكنة من الفلك الأقصى سمي المكان الواحد السرطان وسمي الآخر بالعقرب وسمي الثالث بالحوت فهذا تقسيم فلك البروج على اثني عشر قسما مفروضة تعينها الكواكب الثمانية والعشرون وذلك بتقدير العزيز العليم فلما أحكم صنعتها وترتيبها وأدارها فظهر الوجود مرتوقا فأراد الحق فتقه ففصل بين السماء والأرض كما قال تعالى كانتا رتقا ففتقناهما أي ميز بعضها عن بعض فأخذت السماء علوا دخانا فحدث فيما بين السماء والأرض ركنان من
(٢٩٣)