واحتجبت عن علم ذلك بولدها فالمنة لولدها عليها بالسببية لا لها ووقعت الرحمة بالولد تبعا بخلاف رحمة الملك فإنها عن عز وغنى عن هذا المرحوم الخاص من رعاياه وكذلك إذا وقع الاسم الإلهي بين اسمين إلهيين مثل قوله هو الله الخالق البارئ فوقع الاسم الخالق بين الاسم الله والاسم البارئ وكذلك الاسم البارئ بين الخالق والمصور وهذا كثير فالخالق صفة لله وموصوف للباري فعلى هذا الأسلوب تجري تلاوة العارفين في الكتابين في القرآن وكتاب العالم بأسره فإنه كتاب مسطور ورقة المنشور الذي هو فيه الوجود وكذلك تجري أذكارهم وهكذا في الأكوان إذا وقع كون بين كونين يكون للأول ابنا وللثاني بعده أبا في الذي يفهم من ذلك كان ما كان فلهذا قال الله في قول العبد بسم الله الرحمن الرحيم ذكرني عبدي وما قيد هذا الذكر بشئ لاختلاف أحوال الذاكرين أعني البواعث لذكرهم فذاكر تبعثه الرغبة وذاكر تبعثه الرهبة وذاكر يبعثه التعظيم والإجلال فأجاب الحق على أدنى مراتب العالم وهو الذي يتلو بلسانه ولا يفهم بقلبه لأنه لم يتدبر ما قاله إذا كان التالي عالما باللسان ولا ما ذكره فإن تدبر تلاوته أو ذكره كانت إجابة الحق له بحسب ما حصل في نفسه من العلم بما تلاه فتدبر ما نصصناه لك ثم قال قال الله تعالى فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين في الصلاة يقول الله حمدني عبدي فيقول العارف الحمد لله أي عواقب الثناء ترجع إلى الله ومعنى عواقب الثناء أي كل ثناء يثنى به على كون من الأكوان دون الله فعاقبته ترجع إلى الله بطريقين الطريق الواحدة الثناء على الكون إنما هو بما يكون عليه ذلك الكون من الصفات المحمودة التي توجب الثناء عليه أو بما يكون منه من الآثار المحمودة التي هي نتائج عن الصفات المحمودة القائمة به وعلى أي وجه كان فإن ذلك الثناء راجع إلى الله إذ كان الله هو الموجد لتلك الصفات والآثار لا لذلك الكون فرجعت عاقبة الثناء إلى الله والطريق الأخرى أن ينظر العارف فيرى إن وجود الممكنات المستفاد إنما هو عين ظهور الحق فيها فهو متعلق الثناء لا الأكوان ثم إنه ينظر في موضع اللام من قوله لله فيرى إن الحامد عين المحمود لا غيره فهو الحامد المحمود وينفي الحمد عن الكون من كونه حامدا ونفي كون الكون محمودا فالكون من وجه محمود لا حامد ومن وجه لا حامد ولا محمود فأما كونه غير حامد فقد بيناه فإن الحمد فعل والأفعال لله وأما كونه غير محمود فإنما يحمد المحمود بما هو له لا لغيره والكون لا شئ له فما هو محمود أصلا كما ورد في مثل هذا المتشبع بما لا يملك كلابس ثوبي زور فيحضر العارف في قوله الحمد لله رب العالمين جميع ما ذكرناه وما يعطيه الاسم الرب من الثبات والإصلاح والتربية والملك والسيادة هذه الخمسة يطلبها الاسم الرب ويحضر ما يعطيه العالم من الدلالة عليه تعالى فلا يكون جواب الله في قوله حمدني عبدي إلا لمن حمده بأدنى المراتب لأنه لكرمه يعتبر الأضعف الذي لم يجعل الله له حظا في العلم به تعالى رحمة به لعلمه أن العالم يعلم من سؤاله أو قراءته ما حضر معه في تلك القراءة من المعاني فيجيبه الله على ما وقع له ويدخل في إجمال ما خاطب به عبده العامي القليل العلم أو الأعجمي الذي لا علم له بمدلول ما يقرأه فافهم والله الملهم ثم قال عن الله يقول العبد الرحمن الرحيم يقول الله أثنى على عبدي يعني بصفة الرحمة لاشتقاق هذين الإسمين منها ولم يقل في ما ذا لعموم رحمته ولأن العامي ما يعرف من رحمة الله به إلا إذا أعطاه ما يلائمه في غرضه وإن ضره أو ما يلائم طبعه ولو كان فيه شقاؤه والعارف ليس كذلك فإن الرحمة الإلهية قد تأتي إلى العبد في الصورة المكروهة كشرب الدواء الكرية الطعم والرائحة للمريض والشفاء فيه مبطون فإذا قال العارف الرحمن الرحيم أحضر في نفسه مدلول هذا القول من حيث ما هو الحق موصوفا به ومن حيث ما يطلبه المرحوم لعلمه بذلك كله ويحضر في قلبه أيضا عموم رحمته الواحدة المقسمة على خلقه في الدار الدنيا إنسهم وجنهم ومطيعهم وعاصيهم وكافرهم ومؤمنهم وقد شملت الجميع ورأى أن هذه الرحمة الواحدة لو لم تعط حقيقتها من الله أن يرزق بها عباده من جماد ونبات وحيوان وإنس وجان ولم يحجبها عن كافر ومؤمن ومطيع وعاصي عرف أن ذاتها من كونها رحمة تقتضي ذلك ثم جاء الوحي من أثر هذه الرحمة الواحدة بأن هذه الرحمة الواحدة السارية في العالم التي اقتضت حقيقتها أن تجعل الأم تعطف على ولدها في جميع الحيوان وهي واحدة من مائة رحمة وقد ادخر سبحانه لعباده في الدار الآخرة تسعا وتسعين رحمة فإذا كان يوم القيامة ونفذ في العالم حكمه وقضاؤه وقدره بهذه الرحمة الواحدة وفرع الحساب ونزل الناس منازلهم من الدارين
(٤٢٣)