مرتبة واحدة فهم أولى باسم الكفر الذي هو الستر فإن الكافر الأصلي هو الذي استتر عنه الحق وهذا عرف الايمان وستره فإنه قال نؤمن ببعض فهو أولى باسم الكفر من الذي لم يعرفه ولما لم تكن أولية الحق تقبل الثاني قال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فذكر نفسه وذكر العبد وما ذكر الأولية هنا لا له ولا لعبده بل ذكر البين له بالضمير ولعبده بالصريح وهو الحد الذي ينبغي أن يتميز به العبد من ربه إلا أنه تعالى قدم نفسه في البينية فقال بيني ثم أخر عن هذا التقدم بينية عبده فقال وبين عبدي فأضافه إليه تعالى ليعرفه أنه عبد له لا لهواه فإنه القائل أفرأيت من اتخذ إلهه هواه فكان عنده عبدا لهواه وهو في نفس الأمر عبد ربه سبحانه فالعبد ما له إرادة مع سيده بل هو بحكم ما يراد به فالحق سبحانه هو الواجب الوجود لذاته والعبد هو الذي منه استفاد الوجود فإن أصله العدم فالحق يعطيه التقدم في هذه المرتبة إذا لبينية لا تعقل إلا بين أمرين والأمر إن هنا الرب والعبد ثم إن الحق جعل في مقابلة تقديم نفسه من قوله بيني تقديم العبد في القول على قول الحق فقال سبحانه يقول العبد الحمد لله رب العالمين فقدم قول العبد ثم قال فيقول الله فجاء بقوله بعد قول العبد وذلك ليتبين لنا أن له الأمر من قبل في قوله بيني فقدم ومن بعد في قوله فيقول الله فهو الأول الآخر فأثبت للعبد الأولية في القول ليعلم أن الأولية الإلهية في قوله بيني لا تقتضي قبول الثاني فهذا الذي قد تخيل أنه ثان قد رجع أولا في القول في المناجاة فعرفناك إن المقصود التعريف بالمراتب لا التركيب المولد فإنه لم يلد سبحانه في قوله وبين عبدي ولم يولد في قوله فيقول الله حمدني عبدي ولو أن العقل يدركه حقيقة بنظره ودليله ويعرف ذاته لكان مولدا عن عقله بنظره فلم يولد سبحانه للعقول كما لم يولد في الوجود ولم يلد بإيجاده الخلق لأن وجود الخلق لا مناسبة بينه وبين وجود الحق والمناسبة تعقل بين الوالد والولد إذ كل مقدمة لا تنتج غير مناسبها ولا مناسبة بين الله وبين خلقه إلا افتقار الخلق إليه في إيجادهم وهو الغني عن العالمين فكما ثبت أن أولية الحق لا تقبل الثاني كذلك أولية العبد في القول لا يكون الحق ثانيا لها إذ ليست بأولية عدد إذ كان الذي في مقابلة العبد هو الحق فإنه الذي يناجيه وما تعرض لذكر الغير فمن كان في صلاته يشهد الغير معرى عن شهود الحق فيه أو شهوده في الحق أو شهود صدوره عن الحق وهو قول أبي بكر الصديق ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله فما هو بمصل من ليست حالته ما ذكرناه من أنواع المشاهدة وإذا لم يكن مصليا لم يكن مناجيا والحق لا يناجي بالألفاظ في هذه الحالة وإنما يناجي بالحضور معه فيكون القائل الحمد لله رب العالمين إذا لم يكن حاضرا مع الله لسان العبد لا عينه وحقيقته فيقول الحق عند ذلك حمدني لسان عبدي لا عبدي المفروضة عليه مناجاتي وإذا حضر القائل في قوله يقول الله حمدني عبدي جبر له ما مضى بفضل الله فإن العبد إذا حضر تضمن حضوره حضور اللسان وسائر الجوارح لأن العين تجمعهم وإذا لم يحضر عينه لم تقم عنه جارحة من جوارحه ولا عن غير نفسها ولما تقدم نداء الحق عبده في الإقامة حي على الصلاة لهذا ابتدأ العبد بتكبيرة الإحرام فإن بقي على إحرامه إلى آخر صلاته وصدق في أنه أحرم ووفى وفى الله له فإنه قال ليجزي الله الصادقين بصدقهم وقال أوفوا بعهدي أوف بعهدكم فإنه لا مكره له وإن لم يف العبد في صلاته بإحرامه وأحضر أهله أو دكانه وما كان من أغراضه معه فأمره إلى الله يفعل معه ما يقتضيه علمه فيه فقال العبد اقتداء في تكبيرة الإحرام الله أكبر لما خصص حالا من الأحوال سماها صلاة قال الله أكبر أن يقيد ربي حال من الأحوال بل هو في كل الأحوال لا بل هو كل الأحوال بل الأحوال كلها بيده لم يخرج عنه حال من الأحوال فكبره عن مثل هذا الحكم الوهم لا لحكم العقل فإن للوهم حكما في الإنسان كما للعقل حكما فيه وجعلها تكبيرة إحرام أي تكبيرة منع يقول تكبير لا يشاركه في مثل هذا الكبرياء كون من الأكوان وعلى الحقيقة التي أخبرنا بها كيف يشاركه من هو عينه إذ قال له إنه سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله فالشئ لا يشارك نفسه فإنه ما ثم إلا واحد فهو المكبر والكبير وهو الكبرياء ليس غيره يتعالى ويتنزه ويتقدس أن يكون متكبرا بكبرياء ما هو عينه فإذا قام العارف بين يدي الله بهذه الصفة ولم ير في وقوفه ولا في تكبيره غير ربه وأصغى إلى نداء ربه إذا قال له حي على الصلاة في الإقامة أي أقبل على مناجاتي وقد قال له وثيابك فطهر فإن المصلي في هذا المقام يخلع على الحق حلل الثناء يطلب بذلك البركة فيها فإنه قد علم إن الله يرد عليه عمله كما يقول الشخص عندنا لأهل الدين ألبس لي هذا الثوب على طريق البركة ثم يخلعه اللابس عليه يقول الحق لما ذكرناه
(٤١٥)