مقاصده كما قال خلق الإنسان علمه البيان فعرفه بالمواطن وكيف يكون فيها ولو تركه مع نفسه لعاد إلى العدم الذي خرج منه فأعطاه الوجود ولوازمه وظهر فيه سبحانه بنفسه بما أظهر من الأفعال به وجعل للعبد أولا معلوما وجوديا وآخرا معلوما في الوجود معقولا في التقدير وظاهرا ما ظهر منه له وباطنا بما خفي عنه منه فلما حده بهذه الحدود وعراه عنها وقال له ما أنت هو بل هو الأول والآخر والظاهر والباطن فأبقى العبد في حال وجوده على إمكانه ما برح منه ولا يصح أن يبرح وأضاف الأفعال إليه لحصول الطمأنينة بأن الدعوى لا تصح فيها فإنه قال وإليه يرجع الأمر كله وقال أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون فلهذا أضاف العالم التوجيه إلى نفسه ووجه الشئ ذاته وحقيقته أي نصبت ذاتي قائمة كما أمرتني ثم قال للذي فطر السماوات والأرض وهو قوله ففتقناهما أي الذي ميز ظاهري من باطني وغيبي من شهادتي وفصل بين القوي الروحانية في ذاتي كما فصل السماوات بعضها من بعض فأوحى في كل سماء بما جعل في كل قوة من قوى سماواتي وقوله والأرض ففصل بين جوارحي فجعل للعين حكما وللأذن حكما ولسائر الجوارح حكما حكما وهو قوله وقدر فيها أقواتها وهو ما يتغذى به العقل الإنساني من العلوم التي تعطيه الحواس بما يركبه الفكر من ذلك لمعرفة الله ومعرفة ما أمر الله بالمعرفة به فهذا وما يناسبه ينظر العالم في الله بالتوجيه بقوله فطر السماوات والأرض وهو بحر واسع لو شرعنا فيما يحصل للعارف في نفسه الذي يوجب عليه أن يقول فطر السماوات والأرض ما وسعه كتاب ولكلت الألسن عن تعبير سماء واحدة منه ثم قال حنيفا أي مائلا والحنف الميل يقول مائلا إلى جناب الحق من إمكاني إلى وجوب وجودي بربي فيصح لي التنزه عن العدم فأبقى في الخير المحض فهذا معنى قوله حنيفا ثم قال وما أنا في هذا الميل من المشركين يقول ما ملت بأمري كما قال العبد الصالح وما فعلته عن أمري وإنما الحق علمني كيف أتوجه إليه وبما ذا أتوجه إليه ومما ذا أتوجه إليه وعلى أية حالة أكون في التوجه إليه هذا كله لا بد أن يعرفه العلماء بالله في التوجيه وإن لم يكونوا بهذه المثابة فما هم أهل توجيه وإن أتوا بهذا اللفظ فنفى عن نفسه الشرك والعبد وإن أضاف الفعل إلى نفسه فما هو شريك في الفعل وإنما هو منفرد بما يصح أن يكون له منفردا من ذلك الفعل ويكون الحق منفردا بما يصح أن يكون به منفردا من ذلك الفعل فالعبد لا يشاركه سيده في عبوديته فإن السيد لا يكون عبدا والعبد لا يكون سيدا لمن هو له عبد من حيث ما هو عبد له ثم قال إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي فأضاف الكل إلى نفسه فإنه ما ظهرت هذه الأفعال ولا يصح أن تظهر إلا بوجوب العبد إذ يستحيل على الحق إضافة هذه الأشياء إليه بغير حكم الإيجاد فتضاف إلى الحق من حيث إيجاد أعيانها كما تضاف إلى العبد من كونه محلا لظهور أعيانها فيه فهو المصلي كما إن المحرك هو المتحرك ما هو المحرك فهو المتحرك حقيقة ولا يصح أن يكون الحق هو المتحرك كما لا يصح أن يكون المتحرك هو المحرك لنفسه لكونه نراه ساكنا فاعلم ذلك حتى تعرف ما تضيفه إلى نفسك مما لا يصح أن تضيفه إلى ربك عقلا وتضيف إلى ربك ما لا يصح أن تضيفه إلى نفسك شرعا ونسكي هنا معناه عبادتي أي إن صلاتي وعبادتي يقول ذلتي ومحياي ومماتي أي وحالة حياتي وحالة موتي ثم قال لله رب العالمين أي لله أي إيجاد ذلك كله لله لا لي أي ظهور ذلك في من أجل الله لا من أجل ما يعود علي في ذلك من الخير فإن الله يقول وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فجعل العلة ترجع إلى جنابه لا إلي فلم يكن القصد الأول الخير لنا وإنما كان الإيثار في ذلك لجناب الحق الذي ينبغي له الإيثار فكان تعليما لنا من الحق وتنبيها وهو قول رابعة أليس هو أهلا للعبادة فالعالم من عبد الله لله وغير العالم يعبده لما يرجوه من الله من حظوظ نفسه في تلك العبادة فلهذا شرع لنا أن نقول لله رب العالمين أي سيد العالمين ومالكهم ومصلحهم لما شرع لهم وبين حتى لا يتركهم في حيرة كما قال تعالى في معرض الامتنان على عبده ووجدك ضالا فهدى أي حائرا فبين لك طريق الهدى من طريق الضلالة فطريق الهدى هنا هو معرفة ما خلقك من أجله حتى تكون عبادتك على ذلك فتكون على بينة من ربك ثم قال لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين أي لا إله في هذا الموضع مقصود بهذه العبادة إلا الله الذي خلقني من أجلها أي لا أشرك فيها نفسي بما يخطر له من الثواب الذي وعده الله لمن هذه صفته وقد ذهب بعضهم إلى الحضور مع الثواب في حال هذه العبادة وكفر من لم يقل به وهذا ليس بشئ وهو من أكابر المتكلمين
(٤١٨)