غير أنه لم يكن من العلماء بالله من طريق الأذواق بل كان من أهل النظر الأكابر منهم ورد على العدوية فيما قالته ولا يعتبر عندنا ما يخالفنا فيه علماء الرسوم إلا في نقل الأحكام المشروعة فإن فيها يتساوى الجميع ويعتبر فيها المخالف بالقدح في الطريق الموصل أو في المفهوم باللسان العربي وأما في غير هذا فلا يعتبر إلا مخالفة الجنس وهذا سار في كل صنف من العلماء بعلم خاص وقوله وبذلك أمرت يعود على الجملة كلها وعلى كل جزء جزء منها بحسب ما يليق بذلك الجزء فلا يحتاج إلى ذكره مفصلا إذ قد حصل التنبيه على ما فيه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ثم قال وأنا من المسلمين أي من المنقادين لا وأمره في قوله وبذلك أمرت ثم قال اللهم أنت الملك وذلك أن الله تعالى لما دعاه إلى القيام بين يديه وذلك أنه لا ينبغي أن يدعو إلى هذه الصفة إلا الملوك فخص هذا الاسم في التوجيه دون غيره ولهذا شرع التكتيف في الصلاة في حال الوقوف لأنه موطن وقوف العبد بين يدي الملك ثم يقول بالوصف الأخص لا إله إلا أنت ولم يقل لا ملك إلا أنت أدبا مع الله فإن الله قد أثبت الملوك في الأرض في قوله وجعلكم ملوكا ونفى أن يكون في العالم إله سواه لا بالحقيقة ولا بحكم الجعل فقال العبد في التوجيه لا إله إلا أنت ولو قال لا ملك إلا أنت لكان نافيا لما أثبته الحق وما أثبته الحق لا يلحقه الانتفاء كما أنه إذا نفى شيئا لا يمكن إثباته أصلا فإن كان لفظ هذا التوجيه نقلا عن الحق وهو من كلام الله فهو تصديق لما أثبته ونفاه وإن كان من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فهو من مقام الأدب مع الله حيث لم ينف ما أثبته الله وإن كان لا ملك إلا الله ولكن الله قد أثبت الملوك فهذا معنى لا إله إلا أنت عقيب قوله أنت الملك فإنه يظهر فيه عدم المناسبة فلما كانت الألوهية تتضمن الملك ولا يتضمن الملك الألوهية أتى بلفظ يدل معناه على وجود الملك الذي سماه وإن لم يظهر له لفظ فالإله ملك وليس كل ملك إلها ثم يقول أنت ربي وأنا عبدك فقدم ربه وأخر نفسه وأضافها إلى ربه بحرف الخطاب لأنه بين يديه وانظر ما في هذا الكلام من الأدب يقول له أنت ربي وأنا عبدك الذي قسمت الصلاة بينك وبينه فمن حيث هذه العبودية الخاصة وقفت بين يديك وهي حالة مناجاة لا حالة أخرى فإن أحوال العبد تتنوع بتنوع ما يدعوه السيد إليه وإن كان عبدا في كل حالة ثم يقول ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يقول في هذا الكلام لما قال قبل التوجيه ذلك الدعاء الذي قدمناه بعد التكبير من سؤاله البعد بينه وبين خطاياه يقول ظلمت نفسي بما اكتسبت من الخطايا واعترفت بين يديك بها قبل مناجاتك فاغفر لي ذنوبي أي فأستر ذنوبي من أجلي إنه لا يقدر على سترها إلا أنت فلا تراني فتأتيني فأكون بها مذنبا ولا أراها فتحلوا لي فأتيها فأكون بها مذنبا وهو قوله باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب يقول إذا سترتها عني بهذا البعد لم نشهدها حتى أكون متفرغا لقبول ما دعوتني إليه فإنك إن أشهدتني ذنوبي ولم تسترها عني منعني الحياء والدهش عند رؤيتها إن أعقل ما تريده مني مما دعوتني إليه فلم يذكر أيضا إسقاطها عني حتى لا يكون يسعى في حظ نفسه وإن المطلوب سترها في تلك الحال ولهذا العالم بالله مع توبته لا يزال متى ذكر ذنبه أثرت في نفسه وحشة المخالفة وإن لم يؤاخذ به فإن الحال تعطي ذلك ثم يقول واهدني لا حسن الأخلاق لا يهدي لا حسنها إلا أنت هو بمنزلة قوله في الدعاء اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد أي وفقني لاستعمال مكارم الأخلاق في هذا الموطن مما يستحق أن أعاملك بها من الأدب في مناجاتك والأخذ عنك والفهم لما تورده علي في كلامك وفهم ما أناجيك به أنا من كلامك هذا كله من أحسن الأخلاق وفي أفعالي بهيات وقوفي بين يديك ظاهرا وباطنا كما شرعت لي فلا يهدي لأحسن الأخلاق إلا أنت أي أنت الموفق لهذه لا قوة لي على إتيان ذلك ولا تعيينه إلا بقوتك وبتعريفك إذ هذا مما لا يدرك بالاجتهاد بل بما تشرعه وتبينه لما كان قدرك مجهولا وما ينبغي لجلالك غير معلوم ولا نقيس معاملتنا معك بمعاملة العبيد مع الملوك فإنك قلت ليس كمثلك شئ فالأدب الذي يخصنا في معاملتك ما نعلمه إلا منك ثم قال واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ابتداء بالتعليم فتعرفني ما لا ينبغي أن يعامل به جلالك وثانية أيضا بالاستعمال في ترك ما لا يحسن بقدرك إذ بيدك الأمر كله فقد تعلم العبد ولا تستعمله فيما علمته فاصرف عني سيئ الأخلاق بالعلم والاستعمال ثم يقول لبيك وسعديك أي إجابة لك ومساعدة لما دعوتني إليه بقولك على لسان حاجب الباب حي على الصلاة ها أنا قد جئت
(٤١٩)