ذلك الأمر واقعا بحكم الاتفاق بالنظر إليه وإن كان علما في نفس الأمر فإن الناظر فيه ما هو على بقين وإن قطع به في نفسه لغموض الأمر فما يصح أن يكون مع الإنصاف على يقين من نفسه أنه ما فاتته دقيقة في نظره ولا فات لمن مهد له السبيل قبله من غير نبي يخبر عن الله فإن المتأخر على حساب المتقدم يعتمد فلما رأينا ذلك علمنا أن لله أسرارا في خلقه ومن حصل في هذه المرتبة من العلم لم يكن أحد أقوى في الايمان منه بما جاءت به الرسل وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله إلا من يدعو إلى الله على بصيرة كالرسول وأتباعه وإن كلامنا في المفاضلة إنما هو بين هؤلاء وبين المؤمنين أهل التقليد لا بين الرسل وأولياء الله وخاصته الذين تولى الله تعليمهم فأتاهم رحمة من عنده وعلمهم من لدنه علما فهم فيما علموه بحكم القطع لا بحكم الاتفاق يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في علم الخط إن نبيا من الأنبياء بعث به قيل هو إدريس عليه السلام فأوحى الله إليه في تلك الأشكال التي أقامها الله له مقام الملك لغيره وكما يجئ الملك من غير قصد من النبي لمجيئه كذلك يجئ شكل الخط من غير قصد الضارب صاحب الخط إليه وهذه هي الأمهات خاصة ثم شرع له أن يشرع وهي السنة التي يرى الرسول أن يضعها في العالم وأصلها الوحي كذلك ما يولد صاحب الخط عن الأمهات من الأولاد وأولاد الأولاد فتفصح له تلك الأشكال عن الأمر المطلوب على ما هو عليه والضمير فيه كالنية في العمل فلا يخطئ قال عليه السلام في العلماء العالمين بالخط فمن وافق خطه يعني خط ذلك النبي فذاك يقول فقد أصاب الحق فهذا مثل من يدعو إلى الله على بصيرة من اتباع الرسل فقوله فإن وافق فما جعله علما عنده لكونه لا يقطع به وإن كان علما في نفس الأمر فهذا الفرق بين هؤلاء وبين من يدعو إلى الله على بصيرة ومن هو على بينة من ربه فاعلم العلماء بالله بعد ملائكة الله رسل الله وأولياؤه ثم العلماء بالأدلة ومن دونهم وإن وافق العلم في نفس الأمر فليس هو عند نفسه بعالم للتردد الإمكاني الذي يجده في نفسه المنصف فما هو مؤمن إلا بما جاء في كتاب الله على التعيين وما جاء عن رسوله على الجملة لا على التفصيل إلا ما حصل له من ذلك تواترا ولهذا قيل للمؤمنين آمنوا بالله ورسوله فقد بانت لك مراتب الخلق في العلم بالله فإذا جاء الرسول وبين يديه العلماء بالله وغير العلماء بالله وقال للجميع قولوا لا إله إلا الله علمنا على القطع أنه صلى الله عليه وسلم في ذلك القول معلم لمن لا علم له بتوحيد الله من المشركين وعلمنا أنه في ذلك القول أيضا معلم للعلماء بالله وتوحيده إن التلفظ به واجب وأنه العاصم لهم من سفك دمائهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ولم يقل حتى يعلموا فإن فيهم العلماء فالحكم هنا للقول لا للعلم والحكم يوم تبلي السرائر في هذا للعلم لا للقول فقالها هنا العالم والمؤمن والمنافق الذي ليس بعالم ولا مؤمن فإذا قالوا هذه الكلمة عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها في الدنيا والآخرة وحسابهم على الله في الآخرة من أجل المنافق ومن ترتب عليه حق لأحد فلم يؤخذ منه وأما في الدنيا فمن أجل الحدود الموضوعة فإن قول لا إله إلا الله لا يسقطها في الدنيا ولا في الآخرة وأما حسابهم على الله في الآخرة يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم فيعلمون بقرينة الحال أنه سؤال واستفهام عن إجابتهم بالقلوب فيقولون لا علم لنا أي لم نطلع على القلوب إنك أنت علام الغيوب تأكيد وتأييد لما ذكرنا ثم قال صلى الله عليه وسلم من اسمه الملك بنى الإسلام على خمس فصيره ملكا شهادة أن لا إله إلا الله وهي القلب وأن محمدا رسول الله حاجب الباب وإقام الصلاة المجنبة اليمنى وإيتاء الزكاة المجنبة اليسرى وصيام رمضان التقدمة والحج الساقة وربما كانت الصلاة التقدمة لكونها نورا فهي تحجب الملك وقد ورد في الخبر أن حجابه النور وتكون الزكاة الميمنة لأنها إنفاق يحتاج إلى قوة لإخراج ما كان يملكه عن ملكه ويكون الحج الميسرة لما فيه من الإنفاق والقرابين حيث تجتمع بالزكاة في الصدقة والهدية وكلاهما من أعمال الأيدي ويكون الصوم في الساقة فإن الخلف نظير الأمام وهو ضياء فإن الصبر ضياء يريد الصوم والضياء من النور فهو أولى بالساقة للموازنة فإن الآخر يمشي على أثر الأول وهكذا يكون الايمان الإلهي يوم القيامة فيأتي الايمان يوم القيامة في صورة ملك على هذه الصفة فأهل لا إله إلا الله في القلب وأهل الصلاة في التقدمة وأهل الزكاة وهي الصدقة في الميمنة وأهل الحج في الميسرة وأهل الصيام في الساقة جعلنا الله ممن قام بناء بيته على هذه القواعد
(٣٢٧)