وشهدت الملائكة بتوحيدي بالعلم الضروري من التجلي الذي أفادهم العلم وقام لهم مقام النظر الصحيح في الأدلة فشهدت لي بالتوحيد كما شهدت لنفسي وأولو العلم بالنظر العقلي الذي جعلته في عبادي ثم جاء بالإيمان بعد ذلك في الرتبة الثانية من العلماء وهو الذي يعول عليه في السعادة فإن الله به أمر وسميناه علما لكون المخبر هو الله فقال فاعلم أنه لا إله إلا الله وقال تعالى وليعلموا أنما هو إله واحد حين قسم المراتب في آخر سورة إبراهيم من القرآن العزيز وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح من أمات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ولم يقل هنا يؤمن فإن الايمان موقوف على الخبر وقد قال وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقد علمنا أن لله عبادا كانوا في فترات وهم موحدون علما وما كانت دعوة الرسل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة فيلزم أهل كل زمان الايمان فعم بهذا الكلام جميع العلماء بتوحيد الله المؤمن منهم من حيث ما هو عالم به من جهة الخبر الصدق الذي يفيد العلم لا من جهة الايمان وغير المؤمن فالإيمان لا يصح وجوده إلا بعد مجئ الرسول والرسول لا يثبت حتى يعلم الناظر العاقل أن ثم إلها وأن ذاك الإله واحد لا بد من ذلك لأن الرسول من جنس من أرسل إليهم فلا يختص واحد من الجنس دون غيره إلا لعدم المعارض وهو الشريك فلا بد أن يكون عالما بتوحيد من أرسله وهو الله تعالى ولا بد أن يتقدمه العلم بأن هذا الإله هو على صفة يمكن أن يبعث رسولا بنسبة خاصة ما هي ذاته وحينئذ ينظر في صدق دعوى هذا الرسول أنه رسول من عند الله لا مكان ذلك عنده وهذه في العلم مراتب معقولة يتوقف العلم ببعضها على بعض وليس هذا كله حظ المؤمن فإن مرتبة الايمان وهو التصديق بأن هذا رسول من عند الله لا تكون إلا بعد حصول هذا العلم الذي ذكرناه فإذا جاءت الدلالات على صدقه بأنه رسول الله لا بتوحيد مرسله حينئذ نتأهب العقلاء أولو الألباب والأحلام والنهى لما يورده في رسالته هذا الرسول فأول شئ قال في رسالته إن الله الذي أرسلني بقول لكم قولوا لا إله إلا الله فعلم أولو الألباب أن العالم بتوحيد الله لا يلزمه أن يتلفظ به فلما سمع من الرسول الأمر بالتلفظ به وأن ذلك ليس من مدلول دليل العلم بتوحيد الله تلفظ به هذا العالم الموحد إيمانا وتصديقا بهذا الرسول فإذا قال العالم لا إله إلا الله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له قل لا إله إلا الله عن أمر الله سمي مؤمنا فإن الرسول أوجب عليه أن يقولها وقد كان في نفسه عالما بها ومخيرا في نفسه في التلفظ بها وعدم التلفظ بها فهذه مرتبة العالم بتوحيد الله من حيث الدليل فمن مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة بلا شك ولا ريب وهو من السعداء فأما من كان في الفترات فيبعثه الله أمة وحده كقس بن ساعدة لا تابع لأنه ليس بمؤمن ولا هو متبوع لأنه ليس برسول من عند الله بل هو عالم بالله وبما علم من الكوائن الحادثة في العالم بأي وجه علمها وليس لمخلوق أن يشرع ما لم يأذن به الله ولا أن يوجب وقوع ممكن من عالم الغيب يجوز خلافه في دليله على جهة القربة إلى الله إلا بوحي من الله وأخبار وهنا نكت لمن له قلب وفطنة لقوله تعالى وأوحى في كل سماء أمرها وقوله إنه أودع اللوح المحفوظ جميع ما يجريه في خلقه إلى يوم القيامة ومما أوحى الله في سماواته وأودعه في لوحه بعثة الرسل فتؤخذ من اللوح كشفا واطلاعا وتؤخذ من السماء نظرا واختبارا وعلمهم ببعثة الرسل علمهم بما يجيئون به من القربات إلى الله وبأزمانهم وأمكنتهم وحلاهم وما يكون من الناس بعد الموت وما يكون منهم في البعث والحشر ومآلهم إلى السعادة والشقاء من جنة ونار وأن الله جعل بروج الفلك ومنازله وسباحة كواكبه أدلة على حكم ما يجريه الله في العالم الطبيعي والعنصري من حر وبرد ويبس ورطوبة في حار وبارد ورطب ويابس فمنها ما يقتضي وجود الأجسام في حركات معلومة ومنها ما يقتضي وجود الأرواح ومنها ما يقتضي بقاء مدة السماوات وهو العلم الذي أشار إليه أبو طالب المكي من أن الفلك يدور بأنفاس العالم ومع رؤيتهم لذلك كله هم فيه متفاضلون بعضهم على بعض فمنهم الكامل المحقق المدقق ومنهم من ينزل عن درجته بالتفاضل في النزول وقد رأينا جماعة من أصحاب خط الرمل والعلماء بتقادير حركات الأفلاك وتسيير كواكبها والاقترانات ومقاديرها ومنازل اقتراناتها وما يحدث الله عند ذلك من الحكم في خلقه كالأسباب المعتادة في العامة التي لا يجهلها أحد ولا يكفر القائل بها فهذه أيضا معتادة عند العلماء بها فإنها تعطي بحسب تأليف طباعها مما لا يعطيه حالها في غير اقترانها بغيرها فيخبرون بأمور جزئية تقع على حد ما أخبروا به وإن كان
(٣٢٦)