إن الزمان إذا حققت حاصله * محقق فهو بالأوهام معلوم مثل الطبيعة في التأثير قوته * والعين منها ومنه فيه معدوم به تعينت الأشياء وليس له * عين يكون عليه منه تحكيم العقل يعجز عن إدراك صورته * لذا نقول بأن الدهر موهوم لولا التنزه ما سمي الإله به * وجوده فله في القلب تعظيم أصل الزمان إذا أنصفت من أزل * فحكمه أزلي وهو محكوم مثل الخلأ امتداد ما له طرف * في غير جسم بوهم فيه تجسيم اعلم أولا أن الله تعالى هو الأول الذي لا أولية لشئ قبله ولا أولية لشئ يكون قائما به أو غير قائم به معه فهو الواحد سبحانه في أوليته فلا شئ واجب الوجود لنفسه إلا هو فهو الغني بذاته على الإطلاق عن العالمين قال تعالى والله غني عن العالمين بالدليل العقلي والشرعي فوجود العالم لا يخلوا ما أن يكون وجوده عن الله لنفسه سبحانه أو لأمر زائد ما هو نفسه إذ لو كان نفسه لم يكن زائدا ولو كان نفسه أيضا لكان مركبا في نفسه وكانت الأولية لذلك الأمر الزائد وقد فرضنا أنه لا أولية لشئ معه ولا قبله فإذا لم يكن ذلك الأمر الزائد نفسه فلا يخلو إما أن يكون وجودا أو لا وجودا محال أن يكون لا وجود فإن لا وجود لا يصح أن يكون له أثر إيجاد فيما هو موصوف بأن لا وجود وهو العالم فليس أحدهما بأولى بتأثير الإيجاد من الآخر إذ كلاهما أن لا وجود فإن لا وجود لا أثر له لأنه عدم ومحال أن يكون وجودا فإنه لا يخلو عند ذلك إما أن يكون وجوده لنفسه أو لا يكون محال أن يكون وجوده لنفسه فإنه قد قام الدليل على إحالة أن يكون في الوجود اثنان واجبا الوجود لأنفسهما فلم يبق إلا أن يكون وجوده بغيره ولا معنى لا مكان العالم إلا أن وجوده بغيره فهو العالم إذن أو من العالم ولو كان وجود العالم عن الله لنسبة ما لولاها ما وجد العالم تسمى تلك النسبة إرادة أو مشيئة أو علما أو ما شئت مما يطلبه وجود الممكن فيكون الحق تعالى بلا شك لا يفعل شيئا إلا بتلك النسبة ولا معنى للافتقار إلا هذا وهو محال على الله فإن الله له الغني على الإطلاق فهو كما قال غني عن العالمين فإن قيل إن المراد بالنسبة عين ذاته قلنا فالشئ لا يكون مفتقرا إلى نفسه فإنه غني لنفسه فيكون الشئ الواحد فقيرا من حيث ما هو عني كل ذلك لنفسه وهو محال وقد نفينا الأمر الزائد فاقتضى ذلك أن يكون وجود العالم من حيث ما هو موجود بغيره مرتبطا بالواجب الوجود لنفسه وإن عين الممكن محل تأثير الواجب الوجود لنفسه بالإيجاد ولا يعقل إلا هكذا فمشيئته وإرادته وعلمه وقدرته ذاته تعالى الله أن يتكثر في ذاته علوا كبيرا بل له الوحدة المطلقة وهو الواحد الأحد الله الصمد لم يلد فيكون مقدمة ولم يولد فيكون نتيجة ولم يكن له كفوا أحد فيكون به وجود العالم نتيجة عن مقدمتين عن الحق والكفؤ تعالى الله وبهذا وصف نفسه سبحانه في كتابه لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صفة ربه فنزلت سورة الإخلاص تخلصت من الاشتراك مع غيره تعالى الله في تلك النعوت المقدسة والأوصاف فما من شئ نفاه في هذه السورة ولا أثبته إلا وذلك المنفي أو المثبت مقالة في الله لبعض الناس وبعد أن بينا لك ما ينبغي أن يكون عليه من نحن مفتقرون إليه وهو الله سبحانه فلنبين ما بوبنا عليه فاعلم أن نسبة الأزل إلى الله نسبة الزمان إلينا ونسبة الأزل نعت سلبي لا عين له فلا يكون عن هذه الحقيقة وجود فيكون الزمان للممكن نسبة متوهمة الوجود لا موجودة لأن كل شئ تفرضه يصح عنه السؤال بمتى ومتى سؤال عن زمان فلا بد أن يكون الزمان أمرا متوهما لا وجودا ولهذا أطلقه الحق على نفسه في قوله وكان الله بكل شئ علما ولله الأمر من قبل ومن بعد وفي السنة تقرير قول السائل أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ولو كان الزمان أمرا وجوديا في نفسه ما صح تنزيه الحق عن التقييد إذ كان حكم الزمان يقيده فعرفنا أن هذه الصيغ ما تحتها أمر وجودي ثم نقول إن لفظة الزمان اختلف الناس في معقولها ومدلولها فالحكماء تطلقه بإزاء أمور مختلفة وأكثرهم على أنه مدة متوهمة تقطعها حركات الأفلاك والمتكلمون يطلقونه بإزاء أمر آخر وهو مقارنة حادث لحادث يسأل عنه بمتى والعرب تطلقه وتريد به الليل والنهار وهو مطلوبنا في هذا الباب والليل والنهار فصلا اليوم فمن طلوع
(٢٩١)