علمك به أنه لا ينضبط سبحانه ولا يتقيد ولا يشبه شيئا ولا يشبه شئ فلا ينضبط مضبوط لتميزه عما ينضبط فقد انضبط ما لا ينضبط مثل قولك العجز عن درك الإدراك إدراك والحق إنما وسعه القلب ومعنى ذلك أن لا يحكم على الحق تعالى بأنه لا يقبل ولا يقبل فإن ذات الحق وأنيته مجهولة عند الكون ولا سيما وقد أخبر جل جلاله عن نفسه بالنقيضين في الكتاب والسنة فشبه في موضع ونزه في موضع بليس كمثله شئ وشبيه بقوله وهو السميع البصير فتفرقت خواطر التشبيه وتشتتت خواطر التنزيه فإن المنزه على الحقيقة قد قيده وحصره في تنزيهه وأخلي عنه التشبيه والمشبه أيضا قيده وحصره في التشبيه وأخلي عنه التنزيه والحق في الجمع بالقول بحكم الطائفتين فلا ينزه تنزيها يخرج عن التشبيه ولا يشبه تشبيها يخرج عن التنزيه فلا تطلق ولا تقيد لتميزه عن التقييد ولو تميز تقيد في إطلاقه ولو تقيد في إطلاقه لم يكن هو فهو المقيد بما قيد به نفسه من صفات الجلال وهو المطلق بما سمي به نفسه من أسماء الكمال وهو الواحد الحق الجلي الخفي لا إله إلا هو العلي العظيم (وصل) وأما أسرار أهل الإلهام المستدلين فلا تتجاوز سدرة المنتهى فإن إليها تنتهي أعمال بني آدم ونهاية كل أمر إلى ما منه بدا فإن قال لك عارف ممن لا علم له بهذا الأمر إن الكرسي موضع القدمين فقل له ذلك عالم الخلق والأمر والتكليف إنما انقسم من السدرة فإنه قطع أربع مراتب والسدرة هي المرتبة الخامسة فنزل من قلم إلى لوح إلى عرش إلى كرسي إلى سدرة فظهر الواجب من القلم والمندوب من اللوح والمحظور من العرش والمكروه من الكرسي والمباح من السدرة والمباح قسم النفس وإليها تنتهي نفوس عالم السعادة ولأصولها وهي الزقوم تنتهي نفوس أهل الشقاء وقد بيناها في كتاب التنزلات الموصلية في باب يوم الاثنين وإذا ظهرت قسمة الأحكام من السدرة فإذا صعدت الأعمال التي لا تخلو من أحد هذه الأحكام لا بد أن تكون نهايتها إلى الموضع الذي منه ظهرت إذ لا تعرف من كونها منقسمة إلى السدرة ثم يكون من العقل الذي هو القلم نظر إلى الأعمال المفروضة فيمدها بحسب ما يرى فيها ويكون من اللوح نظر إلى الأعمال المندوب إليها فيمدها بحسب ما يرى فيها ويكون من العرش نظر إلى المحظورات وهو مستوي الرحمن فلا ينظرها إلا بعين الرحمة ولهذا يكون مال أصحابها إلى الرحمة ويكون من الكرسي نظر إلى الأعمال المكروهة فينظر إليها بحسب ما يرى فيها وهو تحت حيطة العرش والعرش مستوي الرحمن والكرسي موضع القدمين فيسرع العفو والتجاوز عن أصحاب المكروه من الأعمال ولهذا يؤجر تاركها ولا يؤاخذ فاعلها فكتاب الأبرار في عليين ويدخل فيهم العصاة أهل الكبائر والصغائر وأما كتاب الفجار ففي سجين وفيه أصول السدرة التي هي شجرة الزقوم فهناك تنتهي أعمال الفجار في أسفل سافلين فإن رحمهم الرحمن من عرش الرحمانية بالنظرة التي ذكرناها جعل لهم نعيما في منزلهم فلا يموتون فيه ولا يحبون فهم في نعيم النار دائمون مؤبدون كنعيم النائم بالرؤيا التي يراها في حال نومه من السرور وربما يكون في فراشه مريضا ذا بؤس وفقر ويرى نفسه في المنام ذا سلطان ونعمة وملك فإن نظرت إلى النائم من حيث ما يراه في منامه ويلتذ به قلت إنه في نعيم وصدقت وإن نظرت إليه من حيث ما تراه في فراشه الخشن ومرضه ويأسه وفقره وكلومه قلت إنه في عذاب هكذا يكون أهل النار فلا يموت فيها ولا يحيى أي لا يستيقظ أبدا من نومته فتلك الرحمة التي يرحم الله بها أهل النار الذين هم أهلها وأمثالها كالمحرور منهم بتنعم بالزمهرير والمقرور منهم يجعل في الحرور وقد يكون عذابهم توهم وقوع العذاب بهم وذلك كله بعد قوله لا يفتر عنهم العذاب وهم فيه مبلسون ذلك زمان عذابهم وأخذهم بجرائمهم قبل أن تلحقهم الرحمة التي سبقت الغضب الإلهي فإذا اطلع أهل الجنان في هذه الحالة على أهل النار ورأوا منازلهم في النار وما أعد الله فيها وما هي عليه من قبح المنظر قالوا معذبون وإذا كوشفوا على الحسن المعنوي الإلهي في خلق ذلك المسمى قبحا ورأوا ما هم فيه في نومتهم وعلموا أحوال أمزجتهم قالوا منعمون فسبحان القادر على ما يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم فقد فهمت قول الله تعالى لا يموت فيها ولا يحيى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب التاسع والخمسون في معرفة الزمان الموجود والمقدر)
(٢٩٠)