أجسادها يبعثها الله من صور البرزخ في الأجساد التي أنشأها لها يوم القيامة وبها تدخل الجنة والنار ذلك ليلزمها الضعف الطبيعي فلا تزال فقيرة أبدا ألا تراها في أوقات غفلتها عن نفسها كيف يكون منها التهجم والإقدام على المقام الإلهي فتدعى الربوبية كفرعون وتقول في غلبة ذلك الحال عليها أنا الله وسبحاني كما قال ذلك بعض العارفين وذلك لغلبة الحال عليه ولهذا لم يصدر مثل هذا اللفظ من رسول ولا نبي ولا ولي كامل في علمه وحضوره ولزومه باب المقام الذي له وأدبه ومراعاة المادة التي هو فيها وبها ظهر فهو ردم ملآن بضعفه وفقره مع شهوده أصله علما وحالا وكشفا وعلمه بأصله ومقام خلافته من وجه آخر لو كان حالا له لادعى الألوهة فإن الأمر الخارج في النفخ من النافخ له من حكمه بقدر ذلك فلو ادعاه ما ادعى محالا وبذلك القدر الذي فيه من القوة الإلهية التي أظهرها النفخ توجه عليه التكليف فإنه عين المكلف وأضيفت الأفعال إليه وقيل له قل وإياك نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنه أصلك الذي إليه ترجع فصدقت المعتزلة في إضافة الأفعال إلى العباد من وجه بدليل شرعي وصدق المخالف في إضافة الأفعال كلها إلى الله تعالى من وجه بدليل شرعي أيضا وعقلي وقالت بالكسب في أفعال العباد للعباد بقوله تعالى لها ما كسبت وقال في المصورين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أين من ذهب يخلق كخلقي فأضاف الخلق إلى العباد وقال في عيسى عليه السلام وإذ تخلق من الطين فنسب الخلق إليه عليه السلام وهو إيجاده صورة الطائر في الطين ثم أمره أن ينفخ فيه فقامت تلك الصورة التي صورها عيسى عليه السلام طائرا حيا وقوله بإذن الله يعني الأمر الذي أمره الله به من خلقه صورة الطائر والنفخ وإبراء الأكمه والأبرص وإحيائه الميت فأخبر أن عيسى عليه السلام لم ينبعث إلى ذلك من نفسه وإنما كان عن أمر الله ليكون ذلك وإحياء الموتى من آياته على ما يدعيه فلولا أن الإنسان من حيث حقيقته من ذلك النفس الرحماني ما صح ولا ثبت أن يكون عن نفخه طائر يطير بجناحيه ولما كانت حقيقة الإنسان هكذا خوفه الله بما ذكر من صفة المتكبرين ومالهم واسوداد وجوههم كل ذلك دواء للأرواح لتقف مع ضعف مزاجها الأقرب في ظهور عينها فالإنسان ابن أمه حقيقة بلا شك فالروح ابن طبيعة بدنه وهي أمه التي أرضعته ونشأ في بطنها وتغذى بدمها فحكمه حكمها فلا يستغني عن غذاء في بقاء هيكله (تتميم) فلما كان الغالب هذا على الإنسان رجعنا إلى المكاشف الذي يهرب إلى عالم الشهادة عند ما يرى ما يهوله في كشفه مثل صاحبنا أحمد العصاد الحريري رحمه الله فإنه كان إذا أخذ سريع الرجوع إلى حسه باهتزاز واضطراب فكنت أعتبه وأقول له في ذلك فيقول أخاف وأجين من عدم عيني لما أراه ولو علم المسكين أنه لو فارق المواد رجع النفس إلى مستقره وهو عينه ورجع كل شئ إلى أصله ولكن لو كان ذلك لانعدمت الفائدة في حق العبد فيما يظهر وليس الأمر كذلك ولذلك قلنا وهو عينه أي عين العبد فالبقاء الذي أراده الحق أولى به بوجود هذا الهيكل العنصري في الدنيا الطبيعي في الآخرة والذي يثبت هنالك أعني عند الوارد إنما يثبت إذا دخل عبدا كما إن الذي لا يثبت إنما دخل وفي نفسه شئ من الربوبية فخاف من زوالها هناك فهرب إلى الوجود الذي ظهرت فيه ربانيته ولهذا تكون فائدته قليلة والثابت يدخل عبدا قابلا بهمة محترقة إلى أصله ليهبه من عوارفه ما عوده فإذا خرج خرج نورا يستضاء به فمثل الداخل إلى ذلك الجناب العالي بربوبيته مثل من يدخل بسراج موقود ومثل الذي يدخل بعبوديته مثل من يدخل بفتيلة لا ضوء فيها أو بقبضة حشيش فيها نار غير مشتعلة فإذا دخلا بهذه المثابة هب عليهما نفس من الرحمن فطفئ لذلك الهبوب السراج واشتعل الحشيش فخرج صاحب السراج في ظلمة وخرج صاحب الحشيش في نور يستضاء به فانظر ما أعطاه الاستعداد فكل هارب من هناك إنما يخاف على سراجه أن ينطفئ فهو يخاف على ربوبيته أن تزول فيفر إلى محل ظهورها ولكن ما يخرج إلا وقد طفئ سراجه ولو خرج به موقدا كما دخل ولم يؤثر فيه ذلك الهبوب لادعى الربوبية حقا ولكن من عصمة الله له كان ذلك ومن دخل عبدا لا يخاف وإذا اشتعلت فتيلته هنالك عرف من أشعلها ورأى المنة له سبحانه في ذلك فخرج عبدا منورا كما قال تعالى سبحان الذي أسرى بعبده يعني عبدا فكان في خروجه إلى أمته داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا كما دخل عبدا ذليلا عارفا بما دخل وعلى من دخل فمن وفقه الله تعالى ولزم عبوديته في جميع أحواله وإن عرف أصليه فيرجح
(٢٧٦)