باعوا نفوسهمو لنصرة دينه * ولذاك ما صحبوه بالإيثار عنهم كنى المختار بالنفس الذي * يأتيه من يمن مع الأقدار سعد سليل عبادة فخرت به * يوم السقيفة جملة الأنصار لله آساد لكل كريهة * نزلت بدين الله والأخيار عزوا بدين الله في إعزازهم * دين الهدى بالعسكر الجرار فيهم علا يوم القيامة مشهدي * وبهم ترى يوم الورود فخاري لو أنني صغت الكلام قلائدا * في مدحهم ما كنت بالمكثار كرش النبي وعيبة لرسوله * لحقت بهم أعداؤه بتبار رهبان ليلا يقرءون كلامه * آساد غاب في الوغى بنهار وقصة الرؤيا طويلة فاقتصرت من ذلك على ما نحتاج إليه في هذا الباب من ذكر الأنصار ثم نرجع فنقول فما جاءت الأنصار إلا بعد أن نفس الله عن نبيه بما بشره به فلقيته الأنصار في حال اتساع وانشراح وسرور وتلقاها صلى الله عليه وسلم تلقي الغني بربه فكان معها والمهاجرين عونا على إقامة دين الله كما أمرهم الله قال الله عز وجل والله يقبض ويبسط فلله الأسماء الحسنى ولها آثار وتحكم في خلقه وهي المتوجهة من الله تعالى على إيجاد الممكنات وما تحوي عليه من المعاني التي لا نهاية لها والله من حيث ذاته غني عن العالمين وإنما عرفنا الله تعالى أنه غني عن العالمين ليعلمنا أنه سبحانه ما أوجدنا إلا لنا لا لنفسه وما خلقنا لعبادته إلا ليعود ثواب ذلك العمل وفضله إلينا ولذلك ما خص بهذا الخطاب إلا الثقلين فقال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ولا نشك أن كل ما خلق من الملائكة وغيرهم من العالم ما خلقهم إلا مسبحين بحمده وما خص بهذه الصفة غير الثقلين أعني صفة العبادة وهي الذلة فما خلقهم حين خلقهم إذ لا وإنما خلقهم ليذلوا وخلق ما سواهم إذ لا في أصل خلقهم فما جعل العلة في سوى الثقلين الذلة كما جعلها فينا وذلك أنه ما تكبر أحد من خلق الله على أمر الله غير الثقلين ولا عصى الله أحد من خلق الله سوى الثقلين فأمر إبليس فعصى ونهى آدم عليه السلام أن يقرب الشجرة فكان من أمره ما قال الله لنا في كتابه وعصى آدم ربه وأما الملائكة فقد شهد لهم الله بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ردا على من تكلم بما لا ينبغي في حق الملكين ببابل من المفسرين بما لا يليق بهم ولا يعطيه ظاهر الآية لكن الإنسان يجترئ على الله تعالى فيقول فيه ما لا يليق بجلاله فكيف لا يقول في الملائكة فكما كذب الإنسان ربه في أمور فيكون هذا القائل قد كذب ربه في قوله في حق الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم وفي صحيح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل يقول الله عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك الحديث فلا أحد أصبر على أذى من الله كذا ورد أيضا في الخبر وهو سبحانه يرزقهم ويحسن إليهم وهم في حقه بهذه الصفة فاعلم إن السبب الموجب لتكبر الثقلين دون سائر الموجودات إن سائر المخلوقات توجه على إيجادهم من الأسماء الإلهية أسماء الجبروت والكبرياء والعظمة والقهر والعزة فخرجوا أذلاء تحت هذا القهر الإلهي وتعرف إليهم حين أوجدهم بهذه الأسماء فلم يتمكن لمن خلق بهذه المثابة أن يرفع رأسه ولا إن يجد في نفسه طعما للكبرياء على أحد من خلق الله فكيف على من خلقه وقد أشهده أنه في قبضته وتحت قهره وشهدوا كشفا نواصبهم ونواصي كل دابة بيده في القرآن العزيز ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ثم قال متمما إن ربي على صراط مستقيم والأخذ بالناصية عند العرب إذلال هذا هو المقرر عرفا عندنا فمن كان حاله في شهود نظره إلى ربه أخذ النواصي بيده ويرى ناصيته من جملة النواصي كيف يتصور منه عز أو كبرياء على خالقه مع هذا الكشف وأما الثقلان فخلقهم بأسماء اللطف والحنان والرأفة والرحمة والتنزل الإلهي فعند ما خرجوا لم يروا عظمة ولا عزا ولا كبرياء ورأوا نفوسهم مستندة في وجودها إلى رحمة وعطف وتنزل ولم يبد الله لهم من جلاله ولا كبريائه ولا عظمته في خروجهم إلى الدنيا شيئا يشغلهم عن نفوسهم ألا تراهم في الأخذ الذي عرض لهم
(٢٦٨)