من ظهورهم حين قال لهم ألست بربكم هل قال أحد منهم نعم لا والله بل قالوا بلي فأقروا له بالربوبية لأنهم في قبضة الآخذ محصورون فلو شهدوا أن نواصيهم بيد الله شهادة عين أو إيمان كشهادة عين كشهادة الأخذ ما عصوا الله طرفة عين وكانوا مثل سائر المخلوقات يسبحون الليل والنهار لا يفترون فلما ظهروا عن هذه الأسماء الرحمانية قالوا يا ربنا لم خلقتنا قال لتعبدون أي لتكونوا أذلاء بين يدي فلم يروا صفة قهر ولا جناب عزة تذلهم ولا سيما وقد قال لهم لتذلوا إلي فأضاف فعل الإذلال إليهم فزادوا بذلك كبرا فلو قال لهم ما خلقتكم إلا لأذلكم لفرقوا وخافوا فإنها كلمة قهر فكانوا يبادرون إلى الذلة من نفوسهم خوفا من هذه الكلمة كما قال للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها فلو لم يقل كرها فإنها كلمة قهر حيثما أتت فلهذا قلنا ما أوجد كل ما عدا الثقلين ولا خاطبهم إلا بصفة القهر والجبروت فلما قال للثقلين عن السبب الذي لأجله أوجدهم وخلقهم نظروا إلى الأسماء التي وجدوا عنها فما رأوا اسما إلهيا منها يقتضي أخذهم وعقوبتهم إن عصوا أمره ونهيه وتكبروا على أمره فلم يطيعوه وعصوه فعصى آدم ربه وهو أول الناس وعصى إبليس ربه فسرت المخالفة من هذين الأصلين في جميع الثقلين يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن آدم لما جحد ونسي ما وهبه لداود من عمره فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته إلا من رحم ربك فعصمه ولكن من التكبر على الله لا من تكبر بعضهم على بعض وعلى سائر المخلوقين فما عصم أحد من ذلك ابتداء فإن الله قد شاء أن يتخذ بعضهم بعضا سخريا ولكن إذا اعتنى الله بعبده ففي الحالة الثانية يرزقه التوفيق والعناية فيلزم ما خلق له من العبادة فيلحق بسائر المخلوقات وهو عزيز الوجود وأين العبد الذي هو في نفسه مع أنفاسه عبد لله دائما فلا يدل أحد من الثقلين إلا عن قهر يجده فهو في ذله مجبور فإذا وجد ذلك حينئذ يلتفت إلى الأسماء التي عنها وجد وهي أسماء الرحمة فيطلبها لتزيل عنه ما هو فيه من الضيق والحرج الذي ما اعتاده فيحن إلى جهتها ويعرف أن لها قوة وسلطانا فتنفس عنه ما يجده من ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نفس الرحمن فأشار إلى الاسم الذي خلق به الثقلين وقرن معه جهة القوة فقال من قبل اليمن والقبل الناحية والجهة واليمن من اليمين وهو القوة قال الشاعر إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين أراد بالقوة فإن اليمين محل القوة والسماوات مطويات بيمينه وكذلك كان لما نظر إليه الاسم الرحمن الذي عنه وجد كان النصر على أيدي الأنصار وكذلك قوله يوم نحشر المتقين فإن المتقي هو الحذر الخائف الوجل ولا يكون أحد يشهد الرحمن الرحيم الرؤوف ويتقيه وإنما مشهود المتقي السريع الحساب الشديد العقاب المتكبر الجبار فيتقي ويخاف فيؤمنه الله تعالى بأن يحشره إلى الرحمن فيأمن سطوة الجبار القهار ولهذا قال تعالى فينا إن رحمته سبقت غضبه لأنه بالرحمة أوجدنا لم يوجدنا بصفة القهر وكذلك تأخرت المعصية فتأخر الغضب عن الرحمة في الثقلين فالله يجعل حكمهما في الآخرة كذلك ولو كانت بعد حين ألا ترى الله تعالى إذا ذكر أسماءه لنا يبتدئ بأسماء الرحمة ويؤخر أسماء الكبرياء لأنا لا نعرفها فإذا قدم لنا أسماء الرحمة عرفناها وحننا إليها عند ذلك يتبعها أسماء الكبرياء لنأخذها بحكم التبعية فقال تعالى هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة فهذا نعت يعم الجميع وليس واحدته بأولى من الآخر ثم ابتدأ فقال هو الرحمن فعرفنا الرحمن الرحيم لأنا عنه وجدنا ثم قال بعد ذلك هو الله الذي لا إله إلا هو ابتداء ليجعله فصلا بين الرحمن الرحيم وبين العزيز الجبار المتكبر فقال الملك القدوس السلام المؤمن وهذا كله من نعوت الرحمن ثم جاء وقال العزيز الجبار المتكبر فقبلنا هذه النعوت بعد أن آنسنا بأسماء اللطف والحنان وأسماء الاشتراك التي لها وجه إلى الرحمة ووجه إلى الكبرياء وهو الله والملك فلما جاء بأسماء العظمة والمحل قد تأنس بترادف الأسماء الكثيرة الموجبة الرحمة قبلنا أسماء العظمة لما رأينا أسماء الرحمة قد قبلتها حيث كانت نعوتا لها فقبلناها ضمنا تبعا لأسمائنا ثم إنه لما علم الخلق أن صاحب القلب والعلم بالله وبمواقع خطابه إذا سمع مثل أسماء العظمة لا بد أن تؤثر فيه أثر خوف وقبض نعتها بعد ذلك وأردفها بأسماء لا تختص بالرحمة على الإطلاق ولا تعرى عن العظمة على الإطلاق فقال هو أالخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى وهذا كله تعليم من الله عباده وتنزل إليهم فمنازل أصحاب هذا الباب هي هذه الأسماء المذكورة وحضراتها ولهذا قدم
(٢٦٩)