أمور مناسبة للسورة التي يريد معارضتها بأمور تناسبها في الألفاظ مما لم يقع ولا كانت فهي باطل والباطل عدم والعدم لا يقاوم الوجود والقرآن إخبار عن أمر وجودي حق في نفس الأمر فلا بد أن يعجز المعارض عن الإتيان بمثله فمن التزم الحق في أفعاله وأقواله وأحواله فقد امتاز عن أهل زمانه وعن كل من لم يسلك مسلكه فأعجز من أراد التصور على مقامه من غير حق ومن أسرارهم أيضا علم الطبائع وتأليفها وتحليلها ومنافع العقاقير يعلم ذلك منها كشفا خرج شيخنا أبو عبد الله الغزال كان بالمرية رحمه الله في حال سلوكه من مجلس شيخه أبي العباس بن العريف وكان ابن العريف أديب زمانه فهو بالأحرش بطريق الصماد حية إذ رأى أعشاب ذلك المرج كلها تخاطبه بمنافعها فتقول له الشجرة أو النجم خذني فإني أنفع لكذا وأدفع من المضار كذا حتى ذهل وبقي حائرا من نداء كل شجرة منها تحببا له وتقربا منه فرجع إلى الشيخ وعرفه بذلك فقال له الشيخ ما لهذا خدمتنا أين كان منك الضار النافع حين قالت لك الأشجار إنها نافعة ضارة فقال يا سيدي التوبة قال له الشيخ إن الله فتنك واختبرك فإني ما دللتك إلا على الله لا على غيره فمن صدق توبتك أن ترجع إلى ذلك الموضع فلا تكلمك تلك الأشجار التي كلمتك إن كنت صادقا في توبتك فرجع أبو عبد الله الغزال إلى الموضع فما سمع شيئا مما كان قد سمعه فسجد لله شكرا ورجع إلى الشيخ فعرفه فقال الشيخ الحمد لله الذي اختارك لنفسه ولم يدفعك إلى كون مثلك من أكوانه تشرف به وهو على الحقيقة يشرف بك فانظر همته رضي الله عنه وإذا علم أسرار الطبائع ووقف على حقائقها علم من الأسماء الإلهية التي علمها الله آدم عليه السلام نصفها وهي علوم عجيبة لما أطلعنا الله عليها من هذه الطريقة رأينا أمرا هائلا وعلمنا من سر الله في خلقه وكيف سر الاقتدار الإلهي في كل شئ فلا شئ ينفع إلا به ولا يضر إلا به ولا ينطق إلا به ولا يتحرك إلا به وحجب العالم بالصور فنسبوا كل ذلك إلى أنفسهم وإلى الأشياء والله يقول يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله وكلامه حق وهو خبر ومثل هذه الأخبار لا يدخلها النسخ فلا فقر إلا إلى الله ففي هذه الآية تسمى الله بكل شئ يفتقر إليه ومن هذا الباب يكون الفقير من يفتقر إلى كل شئ ولا يفتقر إليه شئ فيتناول الأسباب على أوضاعها الحكمية لا يخل بشئ منها وهذا الذوق عزيز ما رأينا أحدا عليه فيمن رأيناه ولا نقل إلينا سماعا لا في المتقدم ولا في المتأخر لكن رأينا ونقل إلينا عن جماعة إثبات الأسباب وليس من هذا الباب فإن الذي نذكره ونطلبه سريان الألوهية في الأسباب أو تجليات الحق خلف حجاب الأسباب في أعيان الأسباب أو سريان الأسباب في الألوهية هذا هو الذي لم نجد له ذائقا إلا قول الله تعالى فهي الآية اليتيمة في القرآن لا يعرف قدرها إذ لا قيمة لها وكل ما لا قيمة له ثبت بالضرورة أنه مجهول القدر ولو اعتقدت فيه النفاسة ومن أسرارهم أيضا معرفة النشأتين في الدنيا وهي النشأة الطبيعية والنشأة الروحانية وما أصلهما ومعرفة النشأتين في الدار الآخرة الطبيعية والروحانية وما أصلهما ومعرفة النشأتين نشأة الدنيا ونشأة الآخرة فهي ستة علوم لا بد من معرفتها ومن أسرارهم أنه ما منهم شخص كمل له هذا المقام إلا ويوهب ستمائة قوة إلهية ورثها من جده الأقرب لأبيه فيفعل بها بحسب ما تعطيه فإن شاء أخفاها وإن شاء أظهرها والإخفاء أعلى فإن العبودة إنما تأخذ من القوي ما تستعين بها على أداء حق أوامر سيدها لثبوت حكم عبوديتها وكل قوة تخرجه عن هذا الباب بالقصد فليس هو مطلوبا لرجال الله فإنهم لا يزاحمون ذا القوة المتين فإن الله ما طلب منهم أن يطلبوا العون منه إلا في عبادته لا أن يظهروا بها ملوكا أربابا كما زعمت طائفة من أهل الكتاب ممن اتخذوا عيسى ربا قالوا إن محمدا يطلب منا أن نعبده كما عبدنا عيسى فأنزل الله تعالى قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلى الله ولا تشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله * ومن أسرارهم أيضا أنهم لا يتعدون في معارجهم من حيث أبيهم السماء الثانية إلا أن يتوجهوا إلى الجد الأقرب فربما ينتهي بعضهم إلى السدرة المنتهى وهي المرتبة التي تنتهي إليها أعمال العباد لا تتعداها ومن هناك يقبلها الحق وهي برزخها إلى يوم القيامة الذي يموت فيه صاحب ذلك العمل ويكفي هذا القدر من علم أسرار هذه الجماعة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء العشرون
(٢٢٨)