وكنت ممن تزكيه حقائقه * ولا سبيل إلى طعن وتجريح وإن جهلت الذي قلناه جئت إلى * دار السؤال بصدر غير مشروح اعلم أيدك الله بروح القدس أن هذا الشخص المحقق في منزل الأنفاس أي شخص كان فإن حاله بعد موته يخالف سائر أحوال الموتى فلنذكر أولا حصر مآخذ أهل الله العلوم من الله كما قررناه في الباب قبل هذا ولنذكر ما لهم وآثار تلك المأخذ في ذواتهم فلنقل اعلم يا أخي أن علم أهل الله المأخوذ من الكشف إنه على صورة الايمان سواء فكل ما يقبله الايمان عليه يكون كشف أهل الله فإنه حق كله والمخبر به وهو النبي صلى الله عليه وسلم مخبر به عن كشف صحيح وذوات العلماء بالله تعالى تكون على صفة الشئ الذي تأخذ منه العلم بالله أي شئ كان واعلم أن الصفات على نوعين صفات نفسية وصفات معنوية فالصفات المعنوية في الموصوف هي التي إذا رفعتها عن الذات الموصوفة بها لم ترتفع الذات التي كانت موصوفة بها والصفات النفسية هي التي إذا رفعتها عن الموصوف بها ارتفع الموصوف بها ولم يبق له عين في الوجود العيني ولا في الوجود العقلي حيث ما رفعتها ثم إنه ما من صفة نفسية للموصوف التي هي ليست بشئ زائد على ذاته إلا ولها صفة نفسية بها يمتاز بعضها عن بعض فإنه قد تكون ذات الموصوف مركبة من صفتين نفسيتين إلى ما فوق ذلك وهي الحدود الذاتية وهنا باب مغلق لو فتحناه لظهر ما يذهب بالعقول ويزيل الثقة بالمعلوم وربما كان يؤول الأمر في ذلك إلى أن يكون السبب الأول من صفات نفس الممكنات كما أنك إذا جعلت السبب شرطا في وجود المشروط ورفعت الشرط ارتفع المشروط بلا شك ولا يلزم العكس فهذا يطرد ولا ينعكس فتركناه مقفلا لمن يجد مفتاحه فيفتحه وإذا كان الأمر عندنا وعند كل عاقل بهذه المثابة فقد علمت إن الصفات معان لا تقوم بأنفسها وما لها ظهور إلا في عين الموصوف والصفات النفسية معان وهي عين الموصوف والمعاني لا تقوم بأنفسها فكيف تكون هي عين الموصوف لا غيره فيوصف الشئ بنفسه وصار قائما بنفسه من حقيقته ألا يقوم بنفسه فإن كل موصوف هو مجموع صفاته النفسية والصفات لا تقوم بأنفسها وما ثم ذات غيرها تجمعها وتظهر وقد نبهتك على أمر عظيم لتعرف لما ذا يرجع علم العقلاء من حيث أفكارهم ويتبين لك أن العلم الصحيح لا يعطيه الفكر ولا ما قررته العقلاء من حيث أفكارهم وأن العلم الصحيح إنما هو ما يقذفه الله في قلب العالم وهو نور إلهي يختص به من يشاء من عباده من ملك ورسول ونبي وولي ومؤمن ومن لا كشف له لا علم له ولهذا جاءت الرسل والتعريف الإلهي بما تحيله العقول فتضطر إلى التأويل في بعضها لتقبله وتضطر إلى التسليم والعجز في أمور لا تقبل التأويل أصلا وغايته أن يقول له وجه لا يعلمه إلا الله لا تبلغه عقولنا وهذا كله تأنيس للنفس لا علم حتى لا ترد شيئا مما جاءت به النبوة هذا حال المؤمن العاقل وأما غير المؤمن فلا يقبل شيئا من ذلك وقد وردت أخبار كثيرة مما تحيلها العقول منها في الجناب العالي ومنها في الحقائق وانقلاب الأعيان فأما التي في الجناب العالي فما وصف الحق به نفسه في كتابه وعلى لسان رسله مما يجب الايمان به ولا يقبله العقل بدليله على ظاهره إلا إن تأوله بتأويل بعيد فإيمانه إنما هو بتأويله لا بالخبر ولم يكن له كشف إلهي كما كان للنبي فيعرف مراد الحق في ذلك الخبر فوصف نفسه سبحانه بالظرفية الزمانية والمكانية ووصفه بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم وجميع الرسل وكلهم على لسان واحد في ذلك لأنهم يتكلمون عن إل واحد والعقلاء أصحاب الأفكار اختلفت مقالاتهم في الله تعالى على قدر نظرهم فالإله الذي يعبد بالعقل مجردا عن الايمان كأنه بل هو إله موضوع بحسب ما أعطاه نظر ذلك العقل فاختلفت حقيقته بالنظر إلى كل عقل وتقابلت العقول وكل طائفة من أهل العقول تجهل الأخرى بالله وإن كانوا من النظار الإسلاميين المتأولين فكل طائفة تكفر الأخرى والرسل صلوات الله عليهم من آدم ع إلى محمد صلى الله عليه وسلم ما نقل عنهم اختلاف فيما ينسبونه إلى الله من النعوت بل كلهم على لسان واحد في ذلك والكتب التي جاءوا بها كلها تنطق في حق الله بلسان واحد ما اختلف منهم اثنان يصدق بعضهم بعضا مع طول الأزمان وعدم الاجتماع وما بينهم من الفرق المنازعين لهم من العقلاء ما اختل نظامهم وكذلك المؤمنون بهم على بصيرة المسلمون المسلمون الذين لم يدخلوا نفوسهم في تأويل فهم أحد رجلين إما رجل آمن وسلم وجعل علم ذلك إليه إلى أن مات وهو المقلد وإما
(٢١٨)