أوجده الله منهما وإن كان فيه بقية الأركان ولكن ليس لها ذلك السلطان وهو الهواء والنار كما في الجان من بقية الأركان ولذا سمي ما رجا ولكن ليس لها في نشأته ذلك السلطان وأعطى آدم التواضع للطينية بالطبع فإن تكبر فلأمر يعرض له يقبله بما فيه من النارية كما يقبل اختلاف الصور في خياله وفي أحواله من الهوائية وأعطى الجان التكبر بالطبع للنارية فإن تواضع فلأمر يعرض له يقبله بما فيه من الترابية كما يقبل الثبات على الإغواء إن كان شيطانا والثبات على الطاعات إن لم يكن شيطانا وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا سورة الرحمن على أصحابه قال إني تلوتها على الجن فكانوا أحسن استماعا لها منكم فكلوا يقولون ولا بشئ من آلاء ربنا نكذب إذ قلت فبأي آلاء ربكما تكذبان ثابتين عليه ما تزلزلوا عند ما كان يقول لهم ع في تلاوته فبأي آلاء ربكما تكذبان وذلك بما فيه من الترابية وبما فيه من المائية ذهبت بحمية النارية فمنهم الطائع والعاصي مثلنا ولهم التشكل في الصور كالملائكة وأخذ الله بأبصارنا عنهم فلا نراهم إلا إذا شاء الله أن يكشف لبعض عباده فيراهم ولما كانوا من عالم السخافة واللطف قبلوا التشكيل فيما يريدونه من الصور الحسية فالصورة الأصلية التي ينسب إليها الروحاني إنما هي أول صورة قبل عند ما أوجده الله ثم تختلف عليه الصور بحسب ما يريد أن يدخل فيها ولو كشف الله عن أبصارنا حتى نرى ما تصوره القوة المصورة التي وكلها الله بالتصوير في خيال المتخيل منا لرأيت مع الأناة الإنسان في صور مختلفة لا يشبه بعضها بعضا ولما نفخ الروح في اللهب وهو كثير الاضطراب لسخافته وزاده النفخ اضطرابا وغلب الهواء عليه وعدم قراره على حالة واحدة ظهر عالم الجان على تلك الصورة وكما وقع التناسل في البشر بإلقاء الماء في الرحم فكانت الذرية والتوالد في هذا الصنف البشري الآدمي كذلك وقع التناسل في الجان بإلقاء الهواء في رحم الأنثى منهم فكانت الذرية والتوالد في صنف الجان وكان وجودهم بالقوس وهو ناري هكذا ذكر الوارد حفظه الله فكان بين خلق الجان وخلق آدم ستون ألف سنة وكان ينبغي على ما يزعم بعض الناس أن ينقطع التوالد من الجان بعد انقضاء أربعة آلاف سنة وينقضي التوالد من البشر بعد انقضاء سبعة آلاف سنة ولم يقع الأمر على ذلك بل الأمر راجع إلى ما يريده الله فالتوالد في الجن إلى اليوم باق وكذلك فينا فتحقق بهذا كم لآدم من السنين وكم بقي إلى انقضاء الدنيا وفناء البشر عن ظهرها وانقلابهم إلى الدار الآخرة وليس هذا بمذهب الراسخين في العلم وإنما قال به شرذمة لا يعتد بقولها فالملائكة أرواح منفوخة في أنوار والجان أرواح منفوخة في رياح والأناسي أرواح منفوخة في أشباح ويقال إنه لم يفصل عن الموجود الأول من الجان أنثى كما فصلت حواء من آدم قال بعضهم إن الله خلق للموجود الأول من الجان فرجا في نفسه فنكح بعضه ببعضه فولد مثل ذرية آدم ذكرانا وإناثا ثم نكح بعضهم بعضا فكان خلقه خنثى ولذلك هم الجان من عالم البرزخ لهم شبه بالبشر وشبه بالملائكة كالخنثى يشبه الذكر ويشبه الأنثى وقد روينا فيما رويناه من الأخبار عن بعض أئمة الدين أنه رأى رجلا ومعه ولدان وكان خنثى الواحد من ظهره والآخر من بطنه نكح فولد له ونكح فولد وسمي خنثى من الانخناث وهو الاسترخاء والرخاوة عدم القوة والشدة فلم تقو فيه قوة الذكورية فيكون ذكرا ولم تقو فيه قوة الأنوثة فيكون أنثى فاسترخي عن هاتين القوتين فسمي خنثى والله أعلم ولما علب على الجان عنصر الهواء والنار لذلك كان غذاؤهم ما يحمله الهواء مما في العظام من الدسم فإن الله جاعل لهم فيها رزقا فإنا نشاهد جوهر العظم وما يحمله من اللحم لا ينتقص منه شئ فعلمنا قطعا إن الله جاعل لهم فيها رزقا ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في العظام إنها زاد إخوانكم من الجن وفي حديث إن الله جاعل لهم فيها رزقا وأخبرني بعض المكاشفين أنه رأى الجن يأتون إلى العظم فيشمونه كما تشم السباع ثم يرجعون وقد أخذوا رزقهم وغذاؤهم في ذلك الشم فسبحان اللطيف الخبير وأما اجتماع بعضهم ببعض عند النكاح فالتواء مثل ما تبصر الدخان الخارج من الأتون أو من قرن الفخار يدخل بعضه في بعضه فيلتذ كل واحد من الشخصين بذلك التداخل ويكون ما يلقونه كلقاح النخلة بمجرد الرائحة كغذائهم سواء وهم قبائل وعشائر وقد ذكر أنهم محصورون في اثنتي عشرة قبيلة أصولا ثم يتفرعون إلى أفخاذ وتقع بينهم حروب عظيمة وبعض الزوابع قد يكون عين حربهم فإن الزوبعة تقابل ريحين تمنع كل واحدة صاحبتها أن تخترقها فيؤدي ذلك المنع إلى الدور
(١٣٢)