وما ذكر في المتبائنين - سندا لمنع كون الجهل مانعا: من استلزامه لجواز المخالفة القطعية، وقبح خطاب الجاهل المقصر، وكونه معذورا بالنسبة إلى الواقع - مع أنه خلاف المشهور أو المتفق عليه، غير جار فيما نحن فيه.
أما الأول، فلأن عدم جواز المخالفة القطعية لكونها مخالفة معلومة بالتفصيل، فإن وجوب الأقل بمعنى استحقاق العقاب بتركه معلوم تفصيلا وإن لم يعلم أن العقاب لأجل ترك نفسه أو لترك ما هو سبب في تركه وهو الأكثر، فإن هذا العلم غير معتبر في إلزام العقل بوجوب الإتيان، إذ مناط تحريك العقل إلى فعل الواجبات وترك المحرمات، دفع العقاب، ولا يفرق في تحريكه بين علمه بأن العقاب لأجل هذا الشئ أو لما هو مستند إليه.
وأما عدم معذورية الجاهل المقصر، فهو للوجه الذي لا يعذر من أجله الجاهل بنفس التكليف المستقل، وهو العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الشريعة، وأنه لولاه لزم إخلال الشريعة، لا العلم الإجمالي الموجود في المقام، إذ الموجود في المقام علم تفصيلي، وهو وجوب الأقل بمعنى ترتب العقاب على تركه، وشك في أصل وجوب الزائد ولو مقدمة.
وبالجملة: فالعلم الإجمالي فيما نحن فيه غير مؤثر في وجوب الاحتياط، لكون أحد طرفيه معلوم الإلزام تفصيلا والآخر مشكوك الإلزام رأسا.
ودوران الإلزام في الأقل بين كونه مقدميا أو نفسيا، لا يقدح في كونه معلوما بالتفصيل، لما ذكرنا: من أن العقل يحكم بوجوب القيام بما