بل أطلق فوجهان، أقواهما الضمان، لأنه غره أيضا، بل لو كان الطعام ملك المأمور المغرور ضمنه له أيضا، لأنه وإن كان قد سلطه عليه وصيره بين يديه إلا أنه باعتقاده أنه ملك الغير وأنه مسلط على إتلافه بغير عوض، فليس تسليمه له تسليما تاما يتصرف فيه تصرف الملاك، فلذلك ضعف مباشرته بالغرور، وما اشتهر من أن قرار الضمان على من تلف في يده المال إنما هو في غير الفرض.
وأما المكره فهو الذي أشار إليه المصنف بقوله: (ولا يضمن المكره المال وإن باشر الاتلاف، والضمان على من أكرهه، لأن المباشرة ضعفت مع الاكراه، فكان ذو السبب هنا أقوى) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، نعم قد تقدم في كتاب الطلاق (1) تفصيل ما يتحقق به الاكراه.
وفي المسالك " ربما قيل هنا باشتراط زيادة خوف ضرر لا يمكن تحمله، والأشهر الأول " قلت: ولعله لصدق الاكراه الذي هو عنوان الحكم نصا (2) وفتوى وإن كان الضرر يسيرا.
ثم إن ظاهر الأصحاب في المقام عدم رجوع المالك على المكره بشئ بخلاف الجاهل المغرور، فإن له الرجوع عليه وإن رجع هو على الغار، ولعله لعدم صدق " أخذت " الظاهر في الاختيارية عليه بخلاف المغرور، مضافا إلى ظهور رجوع المغرور في ضمانه وإن رجع هو، وحينئذ يكون المراد من قولهم: " الضمان على المباشر إلا مع قوة ذي السبب " أنه يستقل السبب بالضمان مع قوته، ولا يشاركه المباشر إلا في الغرور، كما أنه يستقل المباشر بالضمان ولا يشاركه السبب.