بقي الكشف إلا عن الحقيقة التي تقبل الأعراض هل هي واحدة أو شأنها شأن الأعراض في العدم والوجود وهذا مبحث للنظار وأما نحن فلا نحتاج إليه ولا نلتفت فإنه بحر عميق بحال المريد على معرفته من باب الكشف عليه فإنه بالنظر إلى الكشف يسير وبالنظر إلى العقل عسير ثم أرجع وأقول إن الحرف إذا قامت به حقيقة الفاعلية بتفريغ الفعل على البنية المخصوصة في اللسان تقول قال الله وإذا قامت به حقيقة تطلبه يسمى عندها منصوبا بالفعل أو مفعولا كيف شئت وذلك بأن تطلب منه العون أو تقصده كما طلب مني القيام بما كلفني فمن أجل أنه لم يعطني إلا بعد سؤالي فكان سؤالي أو حالي القائم مقام سؤالي بوعده جعله يعطيني قال تعالى وكان حقا علينا نصر المؤمنين فسؤالي إياه من أمره إياي به وإعطاؤه إياي من طلبي منه فتقول دعوت الله فنصبت حرف الهاء وقد كانت مرفوعة فعلمنا بالحركات أن الحقائق قد اختلفت بهذا ثبت الاصطلاح في لحن بعض الناس وهذا إذا كان المتكلم به غيرنا وأما المتكلم فالحقائق يعلم أولا ويجريها في أفلاكها على ما تقتضيه بالنظر إلى أفلاك مخصوصة وكل متكلم بهذه المثابة وإن لم يعلم بهذا التفصيل وهو عالم به من حيث لا يعلم أنه عالم به وذلك أن الأشياء المتلفظ بها إما لفظ يدل على معنى وهو مقام الباحث في اللفظ ما مدلوله ليرى ما قصد به المتكلم من المعاني وإما معنى بدل عليه بلفظ ما وهو المخبر عما تحقق وأضربنا عن اللحن فإن أفلاكه غير هذه الأفلاك وإسقاط الحركات من الخط في حق قوم دون قوم ما سببه ومن أين هو هذا كله في كتاب المبادي إذ كان القصد بهذا الكتاب الإيجاز والاختصار جهد الطاقة ولو اطلعتم على الحقائق كما أطلعنا عليها وعلى عالم الأرواح والمعاني لرأيتم كل حقيقة وروح ومعنى على مرتبته فافهم وألزم فها نحن قد ذكرنا من بعض ما تعطيه حقائق الحركات ما يليق بهذا الكتاب فلنقبض العنان ولنرجع إلى معرفة الكلمات التي ذكرناها مثل كلمة الاستواء والأين وفي وكان والضحك والفرح والتبشبش والتعجب والملل والمعية والعين واليد والقدم والوجه والصورة والتحول والغضب والحياء والصلاة والفراع وما ورد في الكتاب العزيز والحديث من هذه الألفاظ التي توهم التشبيه والتجسيم وغير ذلك مما لا يليق بالله تعالى في النظر الفكري عند العقل خاصة فنقول لما كان القرآن منزلا على لسان العرب ففيه ما في اللسان العربي ولما كانت الأعراب لا تعقل ما لا يعقل إلا حتى ينزل لها في التوصيل بما تعقله لذلك جاءت هذه الكلمات على هذا الحد كما قال ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ولما كانت الملوك عند العرب تجلس عبدها المقرب المكرم منها بهذا القدر في المساحة فعقلت من هذا الخطاب قرب محمد صلى الله عليه وسلم من ربه ولا تبالي بما فهمت من ذلك سوى القرب فالبرهان العقلي ينفي الحد والمسافة حتى يأتي الكلام في تنزيه الباري عما تعطيه هذه الألفاظ من التشبيه في الباب الثالث الذي يلي هذا الباب ولما كانت الألفاظ عند العرب على أربعة أقسام ألفاظ متباينة وهي الأسماء التي لم تتعد مسماها كالبحر والمفتاح والمقصان وألفاظ متواطئة وهي كل لفظة قد تووطئ عليها أن تطلق على آحاد نوع ما من الأنواع كالرجل والمرأة وألفاظ مشتركة وهي كل لفظ على صيغة واحدة يطلق على معان مختلفة كالعين والمشتري والإنسان وألفاظ مترادفة وهي ألفاظ مختلفة الصيغ تطلق على معنى واحد كالأسد والهزبر والغضنفر وكالسيف والحسام والصارم وكالخمر والرحيق والصهباء والخندريس هذه هي الأمهات مثل البرودة والحرارة واليبوسة والرطوبة في الطبائع وثم ألفاظ متشابهة ومستعارة ومنقولة وغير ذلك وكلها ترجع إلى هذه الأمهات بالاصطلاح فإن المشتبه وإن قلت فيه إنه قبيل خامس من قبائل الألفاظ مثل النور يطلق على المعلوم وعلى العلم لشبه العلم به من كشف عين البصيرة به المعلوم كالنور مع البصر في كشف المرئي المحسوس فلما كان هذا الشبه صحيحا سمي العلم نورا ويلحق بالألفاظ المشتركة فاذن لا ينفك لفظ من هذه الأمهات وهذا هو حد كل ناظر في هذا الباب وأما نحن فنقول بهذا معهم وعندنا زوائد من باب الاطلاع على الحقائق من جهة لم يطلعوا عليها علمنا منها أن الألفاظ كلها متباينة وإن اشتركت في النطق ومن جهة أخرى أيضا كلها مشتركة وإن تباينت في النطق وقد أشرنا إلى شئ من هذا فيما تقدم من هذا الباب في آخر فصل الحروف فإذا تبين هذا فاعلم أيها الولي الحميم أن المحقق الواقف العارف بما تقتضيه الحضرة الإلهية من التقديس والتنزيه ونفي المماثلة والتشبيه لا يحجبه ما نطقت به الآيات والأخبار في حق
(٨٨)