الحق تعالى من أدوات التقييد بالزمان والجهة والمكان كقوله ع أين الله فأشارت إلى السماء فأثبت لها الايمان فسأل صلى الله عليه وسلم بالظرفية عما لا يجوز عليه المكان في النظر العقلي والرسول أعلم بالله والله أعلم بنفسه وقال في الظاهر أأمنتم من في السماء بالفاء وقال وكان الله بكل شئ عليما والرحمن على العرش استوى وهو معكم أينما كنتم ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ويفرح بتوبة عبده ويعجب من الشاب ليست له صبوة وما أشبه ذلك من الأدوات اللفظية وقد تقرر بالبرهان العقلي خلقه الأزمان والأمكنة والجهات والألفاظ والحروف والأدوات والمتكلم بها والمخاطبين من المحدثات كل ذلك خلق لله تعالى فيعرف المحقق قطعا أنها مصروفة إلى غير الوجه الذي يعطيك التشبيه والتمثيل وأن الحقيقة لا تقبل ذلك أصلا ولكن تتفاضل العلماء السالمة عقائدهم من التجسيم فإن المشبهة والمجسمة قد يطلق عليهم علماء من حيث علمهم بأمور غير هذا فتفاضل العلماء في هذا الصرف عن هذا الوجه الذي لا يليق بالحق تعالى فطائفة لم تشبه ولم تجسم وصرفت علم ذلك الذي ورد في كلام الله ورسله إلى الله تعالى ولم تدخل لها قدم في باب التأويل وقنعت بمجرد الايمان بما يعلمه الله في هذه الألفاظ والحروف من غير تأويل ولا صرف إلى وجه من وجوه التنزيه بل قالت لا أدري جملة واحدة ولكني أحيل إبقاءه على وجه التشبيه لقوله تعالى ليس كمثله شئ لا لما يعطيه النظر العقلي وعلى هذا فضلاء المحدثين من أهل الظاهر السالمة عقائدهم من التشبيه والتعطيل وطائفة أخرى من المنزهة عدلت بهذه الكلمات عن الوجه الذي لا يليق بالله تعالى في النظر العقلي عدلت إلى وجه ما من وجوه التنزيه على التعيين مما يجوز في النظر العقلي أن يتصف به الحق تعالى بل هو متصف به ولا بد وما بقي النظر إلا في إن هذه الكلمة هل المراد بها ذلك الوجه أم لا ولا يقدح ذلك التأويل في ألوهته وربما عدلوا بها إلى وجهين وثلاثة وأكثر على حسب ما تعطيه الكلمة في وضع اللسان ولكن من الوجوه المنزهة لا غير فإذا لم يعرفوا من ذلك الخبر أو الآية عند التأويل في اللسان إلا وجها واحدا قصروا الخبر على ذلك الوجه التنزيه وقالوا هذا هو ليس إلا في علمنا وفهمنا وإذا وجدوا له مصرفين فصاعدا صرفوا الخبر أو الآية إلى تلك المصارف وقالت طائفة من هؤلاء يحتمل أن يريد كذا ويحتمل أن يريد كذا وتعدد وجوه التنزيه ثم تقول والله أعلم أي ذلك أراد وطائفة أخرى تقوى عندها وجه ما من تلك الوجوه النزيهة بقرينة ما قطعت لتلك القرينة بذلك الوجه على الخبر وقصرته عليه ولم تعرج على باقي الوجوه في ذلك الخبر وإن كانت كلها تقتضي التنزيه وطائفة من المنزهة أيضا وهي العالية وهم من أصحابنا فرغوا قلوبهم من الفكر والنظر وأخلوها إذ كان المتقدمون من الطوائف المتقدمة المتأولة أهل فكر ونظر وبحث فقامت هذه الطائفة المباركة الموفقة والكل موفقون بحمد الله وقالت حصل في نفوسنا تعظيم الحق جل جلاله بحيث لا نقدر أن نصل إلى معرفة ما جاءنا من عنده بدقيق فكر ونظر فأشبهت في هذا العقد المحدثين السالمة عقائدهم حيث لم ينظروا ولا تأولوا ولا صرفوا بل قالوا ما فهمنا فقال أصحابنا بقولهم ثم انتقلوا عن مرتبة هؤلاء بأن قالوا لنا أن نسلك طريقة أخرى في فهم هذه الكلمات وذلك بأن نفرع قلوبنا من النظر الفكري ونجلس مع الحق تعالى بالذكر على بساط الأدب والمراقبة والحضور والتهئ لقبول ما يرد علينا منه تعالى حتى يكون الحق تعالى تعليمنا على الكشف والتحقيق لما سمعته يقول واتقوا الله ويعلمكم الله ويقول إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وقل ربي زدني علما وعلمناه من لدنا علما فعند ما توجهت قلوبهم وهممهم إلى الله تعالى ولجأت إليه وألقت عنها ما استمسك به الغير من دعوى البحث والنظر ونتائج العقول كانت عقولهم سليمة وقلوبهم مطهرة فارغة فعند ما كان منهم هذا الاستعداد تجلى الحق لهم معلما فأطلعتهم تلك المشاهدة على معاني هذه الأخبار والكلمات دفعة واحدة وهذا ضرب من ضروب المكاشفة فإنهم إذا عاينوا بعيون القلوب من نزهته العلماء المتقدم ذكرهم بالإدراك الفكري لم يصح لهم عند هذا الكشف والمعاينة أن يجهلوا خبرا من هذه الأخبار التي توهم ولا إن يبقوا ذلك الخبر منسحبا على ما فيه من الاحتمالات النزيهة من غير تعيين بل يعرفون الكلمة والمعنى النزيه الذي سيقت له فيقصروها على ما أريدت له وإن جاء في خبر آخر ذلك اللفظ عينه فله وجه آخر من تلك الوجوه المقدسة معين عند هذا المشاهد هذا حال طائفة منا وطائفة أخرى منا أيضا ليس لهم هذا التجلي
(٨٩)